للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذهب جمهور فقهاء الأحناف إلى أن من وجد امرأة في فراشه، فوطئها فعليه الحد، وبين ابن الهمام رأي جمهور فقهاء الأحناف بقوله: "ولنا أن المسقط شبهة الحل، ولا شبهة هنا أصلًا سوى أن وجدها على فراشه، ومجرد وجود امرأة على فراشه لا يكون دليل الحل ليستند الظن إليه، وهذا؛ لأنه قد ينام على الفراش غير الزوجة من حبائبها الزائرات له، وقرباتها، فلم يستند الظن إلى ما يصلح دليل حل".

ولم يستثن فقهاء الأحناف من وجوب الحد في ذلك إلا حالة واحدة، وهي ما إذا دعي الأعمى زوجته، فإجابته امرأة أجنبية، وقالت: أنا زوجتك فواقعها، فلا حد عليه؛ لأن الإخبار دليل، وجاز تشابه النغمة خصوصًا لو لم تطل الصحبة، وذهب الإمام أبو حنيفة، وأبو يوسف إلى القول بدرء الحد، وإن أتته ساكته١، وما أرجحه في ذلك هو أن القاضي إذا اقتنع بأن الفاعل أشكل عليه الأمر، واعتقد أن من واقعها هي زوجته، لتوافقهما في الصوت والأوصاف. وقيام القرائن الدالة، فإنه لا حد لقيام الشبهة التي ينتفي معها القصد الجنائي.

أما إن كان ذلك من باب التذرع بالحيل، وادعاء الشبهة فالحد واجب إذا العبرة بقوة الشبهة المدركة، لا مجرد وجودها، وفقهاء الجمهور، وإن أسقطوا الحد، فمنهم لم يسقطوه لمجرد أنه وجدها في فراشه، وإنما لما صاحب ذلك من توافق، وقرائن قوية، وصلت به إلى اعتقاد أنها زوجته.

فلا خلاف إذا بينهم، وبين ما ذهب إليه جمهور فقهاء الأحناف الذين لم يسقطوا الحد لمجرد أنه وجدها في فراشه، وأسقطوه إذا اعتقد ذلك بناء على القرائن، وقصر الصحبة.


١ فتح القدير ج٥ ص٢٥٨-٢٥٩، المبسوط ج٩ ص٥٧-٥٨.

<<  <   >  >>