للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١- شرب قليل الأنبذة:

ذهب فقهاء الأحناف إلى أن الشرب الموجب للحد هو شرب الخمر، وهي المتخذة من ماء العنب، أو نقيع البلح والزبيب بالصورة، التي سبق بيانها عند الامام، وعند صحابه.

أما شرب غيرها من عصير العنب إذا طبخ، فذهب ثلثاه، ونقيع البلح والزبيب إذا طبخ ولم يذهب ثلثاه، ونبيذ الحنطة، والذرة، والشعير وما إلى ذلك من غير ما يسمى خمرًا عندهم، فلا يوجب -شربه- الحد، إلا إذا بلغ من شربه حد السكر، فإن لم يبلغ به حد السكر، فلا حد بشربه.

واستدلوا لذلك بأدلة منها: ما جاء من قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} ١، قال الإمام أبو حنيفة وأصحابه السكر هو المسكر، ولو كان محرم العين لما سماه الله تعالى رزقًا حسنًا، والسكر ما لا يسكر من الأنبذة، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل لا بمحرم ... وعضدوا هذا بما رواه أبو هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة"، رواه الجماعة إلا البخاري٢. كما قالوا: "إن القرآن قد نص على أن علة التحريم في الخمر، إنما هي الصد عن ذكر

الله، ووقوع العداوة والبغضاء، أخذ مما جاء في قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ٣، وهذه العملية توجد في القدر المسكر لا فيما دون ذلك، فوجب أن يكون ذلك القدر هو الحرام.

إلا ما انعقد الإجماع على تحريمه من كثير الخمر وقليلها٤.


١ الآية ٦٧ من سورة النحل.
٢ يراجع في هذا التفسير القرطبي ج٥ ص٣٧٤٤-٣٧٤٦، نيل الأوطار ج٨ ص١٩٤ وما بعدها.
٣ الآية ٩١ من سورة المائدة.
٤ يراجع في هذا كله بدائع الصنائع ج٥ ص١١٢، وما بعدها، فتح القدير ج٥، نيل الأوطار ج٧ ص١٥٧، التشريع الجنائي ج١ ص٤٩٨، وما بعدها ص٣٠٦-٣١٠.

<<  <   >  >>