للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقول المرجوح عند الجمهور أن إسلامه، وردته لا تصح كالطفل والمعتوه؛ لأنه لا يعي ما يقول نظرًا؛ لأن الخمر قد أذهبت عقله.

هذا ما ذهب إليه ابن حزم١، وحسنه الإمام أبو حنيفة، وإن كان القياس عنده أن السكران كالصاحي في اعتبار أقواله وأفعاله، فقد ذكر السرخسي: أن السكران إذا ارتد تبين منه امرأته في القياس؛ لأن السكران كالصاحي في اعتبار أقواله وأفعاله، حتى لو طلق امرأته بانت منه، ولو بلغ أو أقر بشيء كان صحيحًا منه، ولكنه استحسن، وقال: لا تبين منه امرأته؛ لأن الردة تنبني على الاعتقاد، ونحن نعلم أن السكران غير معتقذ لما يقول؛ ولأنه لا ينجو السكران من التكلم بكلمة الكفر في حاله سكره عادة، والأصل فيها ما روي أن واحدًا من كبار الصحابة -رضي الله عنهم، سكر حين كان الشرب حلالًا، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: هل أنتم إلا عبيدي، وعبيد آبائي ولم يجعل ذلك منه كفرًا.

وقرأ سكران سورة: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} في صلاة المغرب، فترك اللا آت فيه، فنزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} ، فهو دليل على أنه لا يحكم بدونه في حال سكره، كما لا يحكم به في حال جنونه"٢.

وقد ذهب فقهاء الشافعية إلى التفريق بين حكم المتعدي بسكره، وغير المتعدي، فحكموا بردة المتعدي دون غيره لقيام الشبهة في حق غير المتعدي٣.

وما أرجحه من ذلك، هو ما ذهب إليه فقهاء الأحناف من القول باستحسان عدم الاعتداد، بما يصدر من السكران حين سكره، سواء أكان إسلامًا، أم ردة؛ لأن السكران لا يعي ما يقول، وعقله وإن لم يذهب تمامًا كالمجنون، إلا أنه غير مكتمل تمامًا حتى يلزم بقوله أو فعله،


١ المحلى ج٧ ص٣٢٢ وما بعدها، ج١٠ ص١٠٨، ١١٠.
٢ المبسوط ج١٠ ص١٢٣.
٣ مغني المحتاج ج٤ ص١٣٧.

<<  <   >  >>