للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين لوقعت الفرقة إذا لم يحسن أن يصف، كما بعد البلوغ"، ثم بين السرخسي حكم من أسلم صغيرًا، ثم عند البلوغ بقوله: "الذي أسلم تبعًا لأبوديه إذا بلغ مرتدًا في القياس يقتل لارتداده بعد إسلامه، وفي الاستحسان لا يقتل، ولكن يجبر على الإسلام؛ لأنه ما كان مسلمًا مقصودًا بنفسه، وإنما يثبت له حكم الإسلام تبعًا لغيره، فيصير ذلك شبهة في إسقاط القتل عنه، وإن بلغ مرتدًا.

وإذا أسلم في صغره، ثم بلغ مرتدًا، فهو على هذا القياس، والاستحسان لقيام الشبهة، بسبب اختلاف العلماء في صحة إسلامه في الصغر١، وذهب فقهاء الحنابلة إلى القول بصحة إسلام الصبي العاقل؛ لعموم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة"، وغير ذلك من الأخبار التي يدخل في عمومها الصبي؛ ولأن الإسلام عبادة محضه، فصحت من الصبي العاقل كالصلاة والحج، وعلى هذا فإن رجع، وقال: لم أرد ما قلت لم يلتفت إلى قوله، واعتبر مرتدًا إذا لم يعد إلى الإسلام.

وقد جاءت رواية عن الإمام أحمد، نفيد أن الصبي إذا رجع عن الإسلام لا يجبر على العودة إليه؛ لأن الصبي في مظنه النقص، وفي رواية ثالثة أنه يصح إسلامه، ولا تصح ردته فيقبل منه ما يكتب له، ولا يقبل منه ما يكتب عليه٢، والذي أرجحه من ذلك أن الصبي الذي حكم بإسلامه لأبويه أولًا، حدهما إذا ارتد أجبر على الإسلام، فإن لم يعد انتظر إلى البلوغ، فإن تاب ورجع الحق قبل منه، وإلا ألزم حد الردة، أما من أسلم من أولاد الكفار قبل البلوغ، وارتد فإنه لا يلزم حد الردة؛ لأن الصبي مظنة النقص، وذلك يورث شبهة في إسلامه، والحدود تدرأ بالشبهات.


١ المبسوط ج١٠ ص١٢٠-١٢٣، بدائع الصنائع ج٧ ص١٣١-١٣٥.
٢ المغني ج٨ ص١٣٣-١٣٦، نيل الأوطار ج٧ ص٢٢١-٢٣٣، المحلى ج١٠ ص٢١٨، ٣٤٤، شرح الأزهار ج٤ ص٥٧٥، مباني المنهاج ج١ ص٣٢٩، الخرشي ج٨ ص٦٩.

<<  <   >  >>