للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ثانيا: أن يكون المجني عليه معصوم الدم]

ومعنى كونه معصوم الدم ألا يكون دمه مباحا، فإن كان دمه مباحا -كما لو كان حربيا- لم يجب القصاص على قاتله عمدا؛ وذلك لأنه وإن كان اعتداء على آدمي حي عمدا، إلا أن ما صاحب هذا الآدمي من صفة المحاربة أهدرت دمه لشدة خطره على المسلمين وتوقع الشر من قبله.

ولقد سبق أن أوضحنا أن الشريعة الإسلامية جعلت القتل الموجب للعقوبة القتل بغير حق، أما القتل بحق؛ كقتل الحربي والمرتد عن دينه، والبغاة، والزاني المحصن، وقاتل النفس عمدا، فإنه قتل لا يترتب عليه الإثم؛ لأنه قتل بحق؛ ولكن يعزر مقترف هذه الجريمة لافتياته على الإمام.

فقد صرح الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية والظاهرية بأنه يجب أن يكون المقتول معصوم الدم، أما إن كان الشرع قد أباح دمه لكونه حربيا أو مرتدا، أو زانيا محصنا، أو قاطع طريق تحتم قتله، فإن قاتله لا يقتل به وإن كان بغير إذن من الحاكم، ولا يجب عليه دية ولا كفارة؛ لأنه مباح الدم في الجملة، وإن توقفت المباشرة على إذن الحاكم فيأثم بدونه خاصة، ويعزر قاتل هؤلاء لافتياته على الإمام.

ولو قتل غير الولي شخصا وجب عليه قصاص قتل به "كما صرح الشافعية والحنابلة والإمامية"١؛ لأنه محقون الدم بالنسبة إلى غيره، أو بعبارة أخرى: لا يوجد سبب فيه يباح به دمه لغير ولي مقتوله، فإذا قتله اقتص منه؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} فخص وليه بقتله، فدل على أن غير وليه لا سلطان له عليه.

وسيأتي إيضاح شرط العصمة تفصيلا عند بيان شروط استيفاء القصاص من القاتل في كل مذهب من المذاهب الفقهية.

وهذا الإنسان المعصوم الدم على التأبيد يتساوى فيه الكبير والصغير والصحيح والمريض، وكامل الجسم والحواس وناقص شيء منها، والعاقل والمجنون.


١ مغني المحتاج ج٤، ص١٤-١٥، المغني أو الشرح الكبير ج٩، ص٣٥١، وكشاف القناع ج٣، ص٣٤٦، الروضة البهية ج٣، ص٤٠٧-٤٠٨.

<<  <   >  >>