للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني: منكرو السُّنَّة حديثًا، وتفنيد مزاعمهم

سبق أن ذكرنا أن منكري السُّنَّة بزغوا في كل عصر، وقد رد عليهم الإمام الشافعي قديمًا وكذلك ابن أبي حاتم وغيرهما.

وحديثًا أنكر بعض الناس أن تكون السُّنَّة مصدرًا للتشريع الإسلامي مُتذرعين بالعديد من الحجج، وأهمها ما يلي١:

أولًا: القرآن الكريم حوى كل أمور الدين ووضحها؛ بحيث يغني عما عداه، قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ، والأخذ بالسُّنَّة يناقض ذلك.

ثانيًا: الله تعالى ضَمِنَ حفظ كتابه لأنه مصدر التشريع ولم يضمن حفظ السُّنَّة، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] ولو كانت السُّنَّة دليلًا من أدلة التشريع وحجة كالقرآن لتكفل الله بحفظها، ولا يستطيع أحد أن يدَّعي أن السُّنَّة وصلت إلينا بنصها.

ثالثًا: لو كانت السُّنَّة حجة ومصدرًا من مصادر التشريع لتكفل النبي -صلى الله عليه وسلم- بكتابتها، ولعمل الصحابة والتابعون على جمعها وتدوينها صيانة لها من العبث والتبديل والتحريف والنسيان؛ لكن الثابت -هكذا يزعمون- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كتابتها وأمر بمحو ما كُتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون.

رابعًا: ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يدل على عدم حجية السُّنَّة، ومن ذلك قوله: "إن الحديث سيفشو عني، فما أتاكم يوافق القرآن فهو عني، وما أتاكم عني يخالف القرآن فليس مني"٢، وقوله: "إذا حُدِّثتم عني حديثًا تنكرونه -قلته أو


١ راجع: السُّنَّة ومكانتها في التشريع "ص١٣٨-١٤٠"، المدخل إلى توثيق السُّنَّة "ص٢٠١-٢٠٣".
٢ رواه الإمام الشافعي في الأم رقم "٢٩٩٨".

<<  <   >  >>