للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب في فرق ١ بين البدل ٢ والعوض ٣:

جماع ما في هذا أن البدل أشبه بالمبدل منه من العوض بالمعوض منه " وإنما يقع البدل في موضع المبدل منه والعوض لا يلزم فيه ذلك ألا تراك تقول في الألف من قام: إنها بدل من الواو التي هي عين الفعل ولا تقول فيها: إنها عوض منها وكذلك يقال في واو جُوَن وياء مِيَر: إنها بدل للتخفيف من همزة جؤن٣ ومئر ولا تقول: إنها عوض منها. وكذلك تقول في لام غاز وداع: إنها بدل من الواو ولا تقول: إنها عوض منها. وتقول في العوض: إن التاء في عدة, وزنة عوض من فاء الفعل ولا تقول: إنها بدل من منها. فإن قلت: ذاك فما أقله! وهو تجوز في العبارة. وسنذكر لم ذلك. وتقول في ميم " اللهم": إنها عوض من " يا" في أوله ولا تقول: بدل. وتقول في تاء زنادقة: إنها عوض٤ من ياء زناديق ولا تقول: بدل. وتقول في ياء "أينق ": إنها عوض من عين "أنوق " فيمن جعلها أيفل ومن جعلها عينًا مقدمة مغيرة إلى الياء جعلها بدلا من الواو.

فالبدل أعم تصرفًا من العوض. فكل عوض بدل وليس كل بدل عوضًا. وينبغي أن تعلم أن العوض من لفظ " عَوضُ " -وهو الدهر- ومعناه؛ قال الأعشى ٥:

رضيعي لبان ثدي أم تقاسما ... بأسحم داج عوض لا نتفرق٦

والتقؤهما أن الدهر إنما هو مرور الليل والنهار وتصرم أجزائهما فكلما مضى جزء منه خلفه جزء آخر يكون عوضًا منه. فالوقت الكائن الثاني غير الوقت الماضي الأول. فلهذا كان العوض أشد مخالفة للمعوض منه من البدل.

وقد ذكرت في موضع من كلامي مفرد اشتقاق أسماء الدهر والزمان وتقصيته هناك. وأتيت أيضًا في كتابي الموسوم ب "التعاقب " على كثير من هذا الباب ونهجت الطريق إلى ما أذكره بما نبهت به عليه.


١ كذا في أ، ب. وفي ش: "الفرق".
٢ كذا في أ. وفي ب، ش: "البدل والمبدل منه والعوض المعوض منه".
٣ "جؤن" جمع جؤنة بالضم. وهي سلة مستديرة مغشاة أدما. تكون مع العطارين. و"سئر" جمع سرة. بالكسر وهي الذحل والعداوة.
٤ قال ابن جني في كتاب التعاقب "فإن قلت: فلعل الهاء في "زنادقة" و"جحاجحة" لتأنيث الجمع، كهاء ملائكة وصياقلة، فلا تكون عوضا، قلنا: لم تأت الهاء لتأنيث الجمع في مثال مفاعيل؛ إنما جاءت في مثال مفاعلة، نحو ملائكة" من أشباه السيوطي ١/ ١٣٦.
٥ كذا في ش، ب. وسقط "الأعشى" في أ.
٦ قبله:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار في يفاع تحرق
تشب لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق
وهو من قصيدته التي مطلعها:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق ... وما بي من سقم وما بي معشق
انظر ديوان الأعشى طبع أوروبا ١٤٥ والخزانة ٣/ ٢٠٩ و"ليان" بالتنوين، و"ثدي" روي بالجر على البدلية، والنصب على تقدير "أعني"، أو غيره. وانظر الخزانة في الموطن السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>