للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب في ترافع ١ الأحكام:

هذا موضع من العربية لطيف لم أر لأحد من أصحابنا فيه رسمًا, ولا نقلوا إلينا فيه٢ ذكرا.

من ذلك مذهب العرب في تكسير ما كان من "فعل" على "أفعال" نحو: عَلَم وأعلام, وقدمٍ وأقدام, ورَسنٍ وأرسان, وفَدَنٍ وأفدانٍ. قال سيبويه: فإن كان على "فَعَلة" كسروه على "أَفْعُلٍ" نحو أَكَمةٍ وآكُمٍ. ولأجل ذلك "ما حمل"٣ أمَّة على أنها "فَعَلة" لقولهم في تكسيرها: آمٍ, إلى هنا٤ انتهى٥ كلامه إلّا أنه أرسله ولم يعلله.

والقول فيه عندي أن حركة العين قد عاقبت في بعض المواضع تاء التأنيث, وذلك في الأدواء نحو قولهم: رمث٦ رمثًا، وحبط٧ حبطًا، وحبج٨ حبجًا.


١ يريد أنه قد يجتمع في الكلمة أمران، يقضي كل منهما إذا انفرد بحكم في اللغة، تكون عليه الكلمة؛ فيكون ذلك داعيًا إلى إلغاء تأثيرها، فكان هذا، رفع حكم هذا، وهذا رفع حكم هذا وأبطله. فمن ثَمَّ صاغ ابن جني لهذا الأصل" ترافع الأحكام", ويقرب من هذا أقوال الأصوليين وأرباب الاستدلال: إن الأمرين إذا تعارضا تساقطا, وقد عرض لهذا الأصل المؤلف في المحتسب عند قوله تعالى في سورة آل عمران: {أَمَنَةً نُعَاسًا} [آية: ٢٢] ، فقال: {أَمَنَةً} -بفتح الميم- أشبه بمعابة الأمن. ونظير ذلك قولهم: الحبط والحبج والرمث، كل ذلك في أدواء الأبل. فلما أسكنوا العين جاءوا بالهاء فقالوا: مغل مغلة، وحقل حقله، وقد أفردنا بابًا في كتابنا الخصائص لنحو هذا وهو: "باب ترافع الأحكام" وفي نسخة المحتسب المحفوظة في دار الكتب: "تدافع" وظاهر أنه تحرف.
٢ كذا في ش، ب. وفي أ "له".
٣ كذا في أ. وفي ب "ما يمل سيبويه". وفي ش "مما يحمل سيبويه".
٤ كذا في أ، وفي ش، ب "هذا".
٥ انظر الكتاب ٢/ ١٩١.
٦ يقال: رمث البعير إذا اشتكى من أكل الرمث. وهو مرعى للإبل من الحمض.
٧ أي: أصابه الحبط. وهو وجع ببطن البعير من كلأٍ يستوبله.
٨ أي: أصابه الحبج، وهو انتفاخ بطن البعير من أكل السرفج.

<<  <  ج: ص:  >  >>