للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب ١ في خلع الأدلة ٢:

من ذلك حكاية يونس قول٣ العرب: ضرب مَنٌ منا, أي: إنسان إنسانًا, أو رجل٤ رجلًا, أفلا تراه كيف جرد "مَنْ" من٥ الاستفهام ولذلك أعربها.

ونحوه قولهم في الخبر: مررت برجل أيِّ رجل. فجرد "أيّا" من الاستفهام أيضًا, وعليه بيت الكتاب:

والدهر أينما حالٍ دهارير٦


١ من هنا تبدأ نسخة ش.
٢ يراد بالأدلة أعلام المعاني في العربية. فالهمزة دليل الاستفهام، وإن دليل الشرط، وهكذا. ويراد بالمعاني: المعاني التي تحدث في الكلام من خبر واستخبار ونحو ذلك، وأكثر ما يوضع لها الحروف والأدوات، فلا يعني أسماء الأجناس، وخلع الأدلة تجريدها من المعاني المعروفة لها, والمتبادرة فيها, وإرادة معانٍ أخر لها، أو تجريدها من بعض معانيها.
ومن أمثلة هذا الباب ما ذكره الزمخشري في تفسير قوله تعالى في سورة مريم: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} . ذلك أن اللام الداخلة على المضارع تخلصه للحال، وهذا معنى عرف لها، وسوف تخلصه للاستقبال، فقد نوارد على المضارع "أخرج" دليلان متدافعان، والمخرج من هذا هو القول بخلع الحال من اللام, وإرادة التوكيد بها فحسب. ومن ذلك ما ذكروه في نداء لفظ الجلالة، ذلك أن ال تثبت في ندائه فيقال: يا الله، على حين أن المألوف من أمر النداء لما فيه ال أن تسقط أداة التعريف, فيقال: يا رجل، ولا يقال: يا الرجل. ولكن الذي سوّغ أن يقال يا الله أنَّ أل في لفظ الجلالة ليست للتعريف، وإنما قصد بها التعويض من الفاء المحذوفة؛ إذ أصل (الله) الإله -كما هو أحد الأوجه- فزال المعنى الذي يدفع أن يجتمع آل والنداء؛ إذ إن المانع أن يقال: يا الرجل, هو أن النداء يكسب المنادى تعريفًا بالتعيين, فلا يجتمع مع أداءة التعريف؛ لأن من شأن العرب ألا يجمعوا بين علامتين لمعنى واحد. فقد ترى كي خلع اللام عن الحال في "لسوف أخرج"، وأل عن التعريف في لفظ الجلالة. وانظر المعنى في مبحث اللام المفردة.
وقد ترجم السيوطي في الأشباه والنظائر ١/ ٢٢٠، لهذا الباب، ونقل فيه معظم ما هنا.
٣ في ش: "من قول". وفي الأشباه والنظائر، "ما حكاه يونس من قول".
٤ في ش: "و".
٥ سقط في ج، ش.
٦ انظر ص ١٧٣ من هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>