للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[باب في فرق بين الحقيقة والمجاز]

الحقيقة: ما أقر في الاستعمال على أصل وضعه في اللغة, والمجاز: ما كان بضد ذلك.

وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة, وهي: الاتساع والتوكيد والتشبيه. فإن عدم هذه الأوصاف كانت الحقيقة البتة.

فمن ذلك قول١ النبي -صلى الله عليه وسلم- في الفرس: "هو بحر" , فالمعاني الثلاثة موجودة فيه. أما الاتساع فلأنه زاد٢ في أسماء الفرس التي هي: فرس وطرف وجواد, ونحوها البحر, حتى إنه إن احتيج إليه في شعر أو سجع أو اتساع استعمل استعمال بقية تلك الأسماء, لكن لا يفضي إلى ذلك إلا بقرينة تسقط الشبهة. وذلك كأن يقول الشاعر:

علوت مطا جوادك يوم يوم ... وقد ثمد الجياد فكان بحرًا٣

وكأن يقول الساجع: فرسك هذا إذا سما بغرته كان فجرًا, وإذا جرى إلى غايته كان بحرًا, ونحو ذلك. ولو عَرِى الكلام من٤ دليل يوضّح الحال لم يقع عليه بحر؛ لما فيه من التعجرف في المقال من غير إيضاح ولا بيان. ألا ترى أن لو٥ قال رأيت بحرًا, وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه, فلم يجز قوله؛ لأنه إلباس وإلغاز على الناس.


١ في كتاب الجهاد من صحيح البخاري: "عن أنس بن مالك قال: كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي -صلى الله عليه وسلم- فرسًا لنا يقال له مندوب. فقال: ما رأينا من فزع، وإن وجدوه لبحرًا".
٢ كذا في د، هـ، ز، ط. وفي ش: "جاء".
٣ يبدو أن هذا البيت من نظمه، ذكره مثالًا لما أراد. والمطا: الظهر. وقوله: "يوم يوم" أي: يوم اليوم الذي تعرفه. وانظر في هذا سيبويه ٢/ ٥٣, وقوله. "ثمد الجياد" أي: أعيين من قولهم: ماء مثمود: كثر عليه الناس حتى ففى وفقد إلا أقله.
٤ كذا في ش، ط. وفي د، هـ، ز: "عن".
٥ سقط هذا الحرف في ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>