للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"هل يعتبر عمل العالم أو فتياه على وفق حديث تصحيحا له؟ ":

عمل العالم أو فتياه على وفق حديث رواه ليس حكما منه بصحته ولا بتعديل رواته لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر.

وصحح الآمدي وغيره من الأصوليين أنه حكم بصحته.

وقال إمام الحرمين: يعتبر تصحيحا له إن لم يكن في مسالك الاحتياط, وفرق الإمام ابن تيمية بين أن يعمل به في الترغيب والترهيب وبين أن يعمل به في غيرهما فأما الأول فلا يدل على تصحيحه بخلاف الثاني فإنه يدل على تصحيحه له.

أقول: وذلك لأن الحديث الضعيف يعمل به الترغيب والترهيب بخلاف الأحكام فإنها لا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح وما شاركه في الاحتجاج به وهو الحسن, وكذلك مخالفته لحديث لا تعتبر قدحا في صحته ولا في رواته، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره.

وقد روى الإمام مالك في "الموطأ" حديث الخيار، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه، ولم يكن ذلك قدحا في نافع راويه.

وقال ابن كثير في القسم الأول نظر، إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث وتعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه وقد أجاب عن ذلك الإمام العراقي فقال: والجواب: أنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل آخر من قياس، أو إجماع ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها، ولعل له دليلا واستأنس بالحديث الوارد في الباب، وربما كان يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس كما تقدم١.

وكذلك لا يدل على صحة الحديث أيضا -كما ذكره أهل الأصول- موافقة الإجماع له على الأصح لجواز أن يكون المستند غيره، وقيل: يدل، وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله لا يدل على


١ من علماء الحديث والفقه من يرى أن العمل بالحديث الضعيف أولى من العمل بالرأي والقياس، ومن هؤلاء الإمام أحمد -رحمه الله- فقد روي عنه أنه قال: "العمل بالحديث الضعيف أولى عندي من رأي الرجال", أقول وذلك بالشروط التي ذكرتها في الاحتجاج بالحديث الضعيف والله أعلم.

<<  <   >  >>