للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"تقليد المؤلفين في العلوم النقلية للمحدثين في الرواية":

وقد نهج منهج علماء الحديث في الرواية والتزام السند في المرويات غيرهم من العلماء في أكثر الفنون النقلية كعلماء التاريخ والسير, وعلماء اللغة وعلماء الأدب, وإنك لتلمس هذا واضحا في أمالي ثعلب قال: حدثني أبو بكر الأنباري عن أبي العباس عن ابن الأعرابي قال: يقال لحن الرجل يلحن لحنا فهو لاحن إذا أخطأ, ولحن بكسر الحاء في الماضي وفتحها في المضارع يلحن لحنا فهو لحن إذا أجاد وفطن.

كما نلمسه في كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني المتوفى سنة ٢٥٦ وكتاب المغازي لابن إسحاق المتوفى سنة ١٥١هـ, وقد وصل إلينا مختصرا في سيرة ابن هشام المتوفى سنة ٢١٨هـ وكتاب تاريخ الأمم والملوك للإمام محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة ٣١٠هـ إلا أنهم لم يبلغوا ما بلغ المحدثون في النقد والتحري عن الرواة.

وليس أدل على هذا من أن بعض من ارتضى هؤلاء روايتهم قد ضعفهم المحدثون وردوا روايتهم, فأبوا مخنف لوط بن يحيى بن سعيد وهو الذي ينقل عنه ابن جرير كثيرا في تاريخه قال فيه أبو حاتم: "متروك الحديث" وقال الدارقطني: "أخباري متروك الحديث".

بل إن محمد بن إسحاق نفسه وهو إمام أهل المغازي غير مدافع مضعف١ في الحديث, والواقدي مع كونه بصيرا بالمغازي ويلي ابن إسحاق في سعة العلم قال فيه البخاري "إنه منكر الحديث".

ومن ثم يتبين لنا أن منهج المحدثين في نقد المرويات ونقد الرواة هو أعلى المناهج وأدقها, وأن الذين جاروهم من المؤرخين وكتاب


١ مضعف: يعني اختلف في تعديله وتجريحه، أما: الضعيف فهو المتفق على ضعفه.

<<  <   >  >>