للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

محمد بن القاسم عن ولاية السند، وأمر به مقيدا إلى دمشق حيث عذب حتى موت، دون أن يشفع له جهاده في سبيل نشر الإسلام في مناطق استعصت على المسلمين طويلا، بل كان الاعتبار الأهم هو للأهواء الشخصية١.

ويعلق الدكتور عبد الله جمال الدين على مقتل ابن القاسم بقوله: "وإن المرء ليعجب كيف تنتهي حياة ذلك الشاب بهذه الصورة المريرة، وهو الذي فتح كلا بلاد لسند، ونشر الإسلام في كافة أرجائها في فترة قياسية لم تتجاوز السنوات الثلاث؟ كيف يواجه محمد بن القاسم هذا المصير المؤلم ويجزى ذلك الجزاء المهين؟ لقد تضاءلت أمام أعماله الحربية والسياسية عظمة الإسكندر "المقدوني" وشهرته، إذ بينما عجز الإسكندر قبل ألف عام عن الاستيلاء على قسم ضئيل من الهند كان سكانه أقل من ربع السكان زمن ابن القاسم استطاع هذا الفتى أن يخضعها ويلحقها بالدولة الإسلامية من غير كبير عناء. وقد قال مؤرخ إنجليزي: لو أراد ابن القاسم أن يستمر بفتوحاته حتى الصين لما عاقه عائق، ولم يتجاوز أحد من الغزاة فتوحاته إلى أيام الغرنويين. لقد كان واحدا من عظماء الرجال في كل العصور"٢.

ومهما يكن من أمر فقد توقفت الفتوحات في جبهة السند بمجرد مغادرة محمد بن القاسم البلاد، وانكمش المسلمون في المناطق التي تم فتحها من قبل، وتركت الأوضاع السياسية السيئة في عاصمة الخلافة "دمشق" تأثيرها على الاستقرار والأمن في شبه القارة الهندية، فقامت الثورات والفتن في بعض المناطق الخاضعة للمسلمين، وحاول بعض أمراء السند وملوكها الذين قد فروا إلى كشمير وغيرها العودة إلى البلاد، ونجع بعضهم في استعادة سلطانه ونفوذه، مستفيدا من الاضطرابات الداخلية في العالم الإسلامي٣.

ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة "٩٩-١٠١هـ" كتب إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام والطاعة، فدخلت بد السند كلها في طاعة المسلمين، وأسلم


١ راجع الكامل في التاريخ، لابن الأثير "٤/ ٢٨٦، ٢٨٧".
٢ د. عبد الله جمال الدين: التاريخ والحضارة الإسلامية في الباكستان "أو السند والبنجاب" إلى آخر فترة الحكم العربي "ص٨٠، ٨١".
٣ د. عبد الله جمال الدين: المرجع السابق ص"٨١".

<<  <   >  >>