للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد واصل طارق بن زياد السير بجيوشه ومشى في محاذاة الساحل، وأقام معسكره في منطقة سهلية واسعة في كورة "شذونة" جنوب غرب إسبانيا بالقرب من نهر "برباط" ووادي "لكه" الذي يصب في المحيط مدينة "قادس" الساحلية١. وفي هذه المنطقة تم اللقاء بين الجيش الإسلامي والجيش القوطي، ودار معركة هائلة استمرت ثمانية أيام "من الأحد ٢٨ رمضان -إلى الأحد الخامس من شوال/ ١٩-٢٦ يوليو ٧١١م"، وانتهت بهزيمة القوط هزيمة ساحقة، بعد أن اقتتل الطرفان "اقتتالا شديدا حتى ظنوا أنه الفناء"، وتبع المسلمون فلول القوط بالقتل والأسر، ولم يرفعوا عنهم السيف ثلاثة أيام٢. وقد اختلفت الروايات في شأن مصير "لذريق"، فقيل: إنه قتل غريقا في "وادي لكه". ويذكر البعض أنه فر من الميدان والتقى بالمسلمين في معركة أخرى شمال إسبانيا في ولاية شلمنقة وقتل فيها، وهذا الرأي الأخير ضعيف، لا تدعمه الأدلة٣.

وتعد معركة "وادي لكه" معركة فاصلة، توقف عليها مصير إسبانيا في يد المسلمين، بحيث يمكن القول "إن جميع المعارك التي حدثت بعد ذلك في بقية أنحاء شبه الجزيرة كانت بمثابة مناوشات بسيطة -وإن كان بعضها مهما وقويا- إذا قورنت بهذه المعركة الفاصلة، ولم يستغرق استيلاء المسلمين على إسبانيا بعد ذلك -رغم وعورة مسالكها وقسوة مناخها- أكثر من ثلاث سنوات، وهذا يدل على أن المقاومة كانت قد ضعفت تقريبا"٤.

ثالثا: الاتجاه نحو الشمال وفتح طليطلة عاصمة القوط

وبعد هذا النصر العظيم الذي حققه طارق بن زياد وجنده كان لابد أن يجنى


١ التاريخ الأندلسي للحجي "ص٥٦". ويطلق ابن عذارى على "وادي لكه" اسم "وادي الطين" "البيان المغرب ٢/ ٧" ويبدو أنه سمي كذلك لقلة مياهه وكثرة طينه. ويسميه ابن عبد الحكم "وادي أم حكيم "فتوح مصر والمغرب ص٢٠٦". وراجع: تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس "ص٧٩"، المسلمون في الأندلس ص٨".
٢ البيان المغرب ٢/ ٧-٨، فتوح مصر والمغرب "ص٢٠٦-٢٠٧"، نفح الطيب "١/ ٢٥٩".
٣ تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس "ص٨٠"، "ص٩٧-٩٩"، معالم تاريخ الأندلس والمغرب لحسين مؤنس "ص٢٣٨"، التاريخ الأندلسي للحجي ص٥٧. دراسات المغرب والأندلس للدكتور أحمد مختار العبادي "ص٣٤".
٤ العبادي: دراسات في تاريخ المغرب والأندلس "ص٣٥".

<<  <   >  >>