للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نهر "الرون" ثم صعد مع النهر شمالا حتى بلغ مدينة "ليون"، وتوغل بعدها حتى كان على بعد سبعين كيلومترا من جنوبي باريس الحالية، وهي أبعد نقطة وصل إليها المسلمون شمالا، وتبعد نحو ثمانمائة كيلومتر شمال جبال البرتات. وفي طريق عودته تصدت له جموع كبيرة من الفرنجة، فاستشهد في إحدى المعارك "سنة ١٠٧هـ"، فقام بقيادة الجيش والعودة إلى "أربونة" "عذرة بن عبد الله الفهري" الذي حكم حتى ربيع الأول سنة ١١٠هـ١.

وبالرغم من أن وصول الجيوش الإسلامية إلى هذا الحد، وأن ذلك يعد دليلا قاطعا على ما امتازوا به من جرأة وقوة وإيمان, فإننا لا نستطيع القول -كما يرى الدكتور حسين مؤنس- بأن "عنبسة" فتح جنوبي غالة أو حوض الرون "بالمعنى الحقيقي"؛ لأنه في الواقع لم يفعل شيئا لتثبيت أقدام المسلمين فيما وصلوا إليه من البلاد، ولكنه على أي حال الفاتح المسلم الوحيد الذي وصل إلى هذا المدى في فتوحه. وكان لا بد من حملات ضخمة أكثر نظاما ليتم فتح هذه النواحي, كما أتمت حملات زهير بن قيس، وحسان بن النعمان, وموسى بن نصير عمل عقبة بن نافع في المغرب٢.

وقد أثارت حملة عنبسة مخاوف أوروبا كلها، حيث إنه اقتحمها اقتحاما، وأوغل بجيشه في داخل بلادها دون أن يستطيع أحد مقاومته، الأمر الذي جعل القائم بمملكة الفرنجة إذ ذاك -وهو "شارك مارتل" أو "كارل"، وتسميه مصادرنا العربية "قارله"- يشعر بأنه لا بد من القيام بعمل حاسم إذا عاد المسلمون مرة أخرى. وبالفعل بدأ يستعد لهذا اللقاء، فأخذ يجمع القوات والسلاح والأزواد، وصالح أمراء "برغندية"، واتفق مع رجال "سبتمانية"، ومع دوق "حاكم" "أكيتانية" ليقوموا معا بعمل حاسم ضد المسلمين٣.

٣- معركة بلاط الشهداء "١١٤هـ/ ٧٣٢م", واستشهاد عبد الرحمن الغافقي:

وبعد أن توالى على الأندلس سبعة من الولاة بين سنتي "١٠٧-١١٢هـ/ ٧٢٥-٧٣٠م" تفاقمت خلالها المشكلات وازدادت الاضطرابات وانتشر الخلل


١ راجع: البيان المغرب "٢٧٠٢"، معالم تاريخ المغرب والأندلس لحسين مؤنس "ص٢٥٤"، المسلمون في الأندلس للدكتور عبد الله جمال الدين "موسوعة سفير ٧/ ١٤".
٢، ٣ د. حسين مؤنس: معالم تاريخ الأندلس ص"٢٥٥".

<<  <   >  >>