للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[سورة الجن والمزمل]

...

سورة الجن:

أقول: قد فكرت مدة في وجه اتصالها بما قبلها، فلم يظهر لي سوى أنه [سبحانه] ١ قال في سورة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} "نوح: ١٠، ١١"، وقال في هذه السورة [لكفار مكة] ٢: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} "١٦"، وهذا وجه بيِّن في الارتباط٣.

سورة المزمل:

أقول: لا يخفى وجه اتصال أولها: {قُمِ اللَّيْلَ} "٢" بقوله في آخر تلك: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} "الجن: ١٩"، وبقوله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} "الجن: ١٨"٤.


١ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٢ ما بين المعقوفين إضافة من "ظ".
٣ ومن المناسبة بين السورتين: أنه تعالى ذكر في نوح: {رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا} "نوح: ٢١"، ومضى في بيان كفرهم وضلالهم، إلى أن دعا عليهم نوح، ثم بيَّن أول الجن: أنهم كالإنس في الإيمان والكفر، وأن لكفار الجن اتصالًا بكفار الإنس، فقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} "الجن: ٦"، {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} "الجن: ١١"، {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} "الجن: ١٤" الآية، فكانت هذه السورة لبيان الصلة بين الجن والإنس، وبيان المقارنة بينهما.
٤ ومن المناسبة أنه تعالى لما قال في نهاية الجن: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} "الجن: ٢٦، ٢٧" افتتح المزمل بذكر بداية إرسال النبي -صلى الله عليه وسلم- وما كلف به من شعائر العبودية والعبادة والدعوة؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث بين يدي الساعة كما جاء في السُّنة، وقد قال تعالى في الجن: {إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُون} "الجن: ٢٥"، فكأنه قال: هذه المزمل علم من أعلامها، فهو الذي ارتضاه الله ليظهره على غيبه، وأنه بين يدي الساعة.

<<  <   >  >>