للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سورة الحِجْر:

أقول: تقدمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة؛ وإنما أُخرت عنها لقصرها بالنسبة إليها، وهذا القسم من سور القرآن للمئين، فناسب تقديم الأطول١، مع مناسبة ما خُتمت به لبراعة الختام وهو قوله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} "٩٩"، فإنه مفسر بالموت٢، وذلك مقطع في غاية البراعة.

وقد وقع ذلك في أواخر السور المقترنة، ففي آخر آل عمران: {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} "آل عمران: ٢٠٠"، وفي آخر الطواسين: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} "القصص: ٨٨"، وفي آخر ذوات {الر} : {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} "السجدة: ٣٠"، وفي آخر الحواميم: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلاغٌ} "الأحقاف: ٣٥".

ثم ظهر لي وجه اتصال أول هذه السورة بآخر سورة إبراهيم؛ فإنه تعالى لما قال هناك في وصف يوم القيامة: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} "إبراهيم: ٤٨-٥٠"، قال هنا: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} "٢" فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار، ورأوا عصاة المؤمنين الموحدين قد أُخرجوا منها تمنوا أن


١ في "ظ": "تقدم الطولى".
٢ أخرجه البخاري عن سالم "٦/ ١٠٢"، ونفس المعنى أخرجه البخاري في الجنائز، وأحمد في المسند "٦/ ٤٣٦".

<<  <   >  >>