للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٥- بحث الدواني في الضعيف:

قالت المحقق جلال الدين الدواني في رسالته أنموذج العلوم: "اتفقوا على أن الحديث الضعيف، لا تثبت به الأحكام الشرعية، ثم ذكروا أنه يجوز، بل يستحب العمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال. وممن صرح به النووي في كتبه لا سيما كتاب: "الأذكار" وفيه إشكال لأن جواز العمل، واستحبابه كلاهما من الأحكام الشرعية الخمسة فإذا استحب العمل بمقتضى الحديث الضعيف، كان ثبوته بالحديث الضعيف، وذلك ينافي ما تقرر من عدم ثبوت الأحكام بالأحاديث الضعيفة. وقد حاول بعضهم التفصي١ عن ذلك وقال: إن مراد النووي أنه إذا ثبت حديث صحيح أو حسن في فضيلة عمل من الأعمال، تجوز رواية الحديث الضعيف في هذا الباب؛ ولا يخفى أن هذا لا يرتبط بكلام النووي فضلًا عن أن يكون مراده ذلك! فكم من فرق بين جواز العمل واستحبابه، وبين مجرد نقل الحديث، على أنه لو لم يثبت الحديث الصحيح أو الحسن في فضيلة عمل من الأعمال، يجوز نقل الحديث الضعيف فيها لا سيما من التنبيه على ضعفه، ومثل ذلك في كتب الحديث، وغيره كثير شائع يشهد به من تتبع أدنى تتبع، والذي يصلح للتعويل أنه إذا وجد حديث ضعيف في فضيلة عمل من الأعمال، ولم يكن هذا العمل مما يحتمل الحرمة أو الكراهة فإنه يجوز العمل به، ويستحب لأنه مأمون الخطر، ومرجو النفع إذ هو دائر بين الإباحة والاستحباب فالاحتياط العمل به. رجاء الثواب وأما إذا دار بين الحرمة والاستحباب فلا وجه لاستحباب العمل به. وأما إذا دار بين الكراهة والاستحباب فمجال النظر فيه واسع إذ في العمل دغدغة٢ الوقوع في المكروه، وفي الترك مظنة ترك المستحب فلينظر إن كان خطر الكراهة أشد بأن تكون الكراهة المحتملة شديدة كان خطر الكراهة أضعف بأن تكون الكراهة على تقدير وقوعها ضعيفة دون مرتبة ترك العمل على تقدير استحبابه فالاحتياط العمل به وفي صورة المساواة يحتاج إلى نظر تام، والظاهر أنه يستحب أيضًا لأن المباحات تصير بالنية عبادة فكيف ما فيه شبهة الاستحباب لأجل الحديث الضعيف فجواز العمل واستحبابه مشروطان أما جواز العمل فبعدم احتمال الحرمة وأما الاستحباب فيما ذكر مفصلًا.

"بقي ها هنا شيء وهو أنه عدم احتمال الحرمة فجواز العمل ليس لأجل الحديث إذ لو لم يوجد يجوز العمل أيضًا لأن المفروض انتفاء الحرمة. لا يقال: الحديث الضعيف ينفي احتمال الحرمة لأنا نقول الحديث الضعيف لا يثبت به شيء من الأحكام الخمسة،


١ في أساس البلاغة: ليتني أتقصى من فلان، أي أتخلص منه.
٢ الدغدغة: هي، الحركة.

<<  <   >  >>