للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٩- رد الإمام السندي الحنفي رحمه الله على من يقول ليس لمثلنا أن يفهم الحديث:

قال علم الدين الفلاني رحمه الله تعالى في: "إيقاظ الهمم" ناقلًا عن شيخه مسند الحرمين في عصره أبي الحسن السندي الحنفي في حواشيه على: "فتح القدير" ما نصه: "والعجب من الذي يقول: أمر الحديث عظيم وليس لمثلنا أن يفهمه فكيف يعمل به؟ وجوابه بعد أن فرضنا موافقة فهمه لفهم ذلك العالم الذي يعتد بعلمه وفهمه بالإجماع، أنه إن كان المقصود بهذا تعظيم الحديث وتوقيره، فالحديث أعظم وأجل لكن من جملة تعظيمه وتوقيره أن يعمل به ويستعمل في مواده، فإن ترك المبالاة به إهانة له نعوذ بالله منه، وقد حصل فهمه على الوجه الذي هو مناط التكليف حيث وافق فهم ذلك العالم فترك العمل بذلك الفهم لا يناسب التعظيم والإجلال فمقتضى التعظيم والإجلال الأخذ به لا بتركه، وإن كان المقصود مجرد الرد عن نفسه بعد ظهور الحق فهذا لا يليق بشأن مسلم فإن الحق أحق بالاتباع إذ لا يعلم ذلك الرجل أن الله عز وجل قد أقام برسوله الحجة على من هو أغبى منه من المشركين الذين كانوا يعبدون الأحجار، وقد قال تعالى فيهم١: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَل} فهل أقام عليهم الحجة من غير فهم أو فهموا كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن فهم هؤلاء الأغبياء فكيف لا يفهم المؤمن مع تأييد الله تعالى له بنور الإيمان، وبعد هذا فالقول بأنه لا يفهم قريب من إنكار البديهيات، وكثير ممن يعتذر بهذا الاعتذار يحض دروس الحديث أو يدرس الحديث فلولا فهم أو أفهم، كيف قرأ أو أقرأ فهل هذا إلا من باب مخالفة القول الفعل، والاعتذار بأن ذلك الفهم ليس مناطًا للتكليف باطل إذ ليس الكتاب والسنة إلا لذلك الفهم فلا يجوز البحث عنهما بالنظر إلى المعاني التي لا يعمل بها كيف وقد أنزل الله تعالى كتابه الشريف للعمل به وتعقل معانيه ثم أمر رسوله بالبيان للناس عمومًا فقال تعالى٢: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} وقال٣: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} فكيف يقال إن كلامه الذي هو بيان للناس غير مفهوم لهم إلا لواحد منهم بل في هذا الوقت، ليس مفهومًا لأحد بناء على زعمهم أنه لا مجتهد في الدنيا منذ كم سنين، ولعل أمثال هذه الكلمات صدرت من بعض من أراد أن لا تنكشف حقيقة رأيه للعوام بأنه مخالف للكتاب والسنة فتوصل إلى ذلك بأن جعل فهم الكتاب والسنة على الوجه الذي هو مناط الأحكام مقصورًا على أهل


١ سورة الأعراف، الآية: ١٧٨.
٢ سورة يوسف، الآية: ٣.
٣ سورة النحل، الآية: ٤٣.

<<  <   >  >>