للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٦- حق الأدب فيما لم تدرك حقيقة من الأخبار النبوية:

نقل القسطلاني في شرح البخاري عند باب: "صفة إبليس" آخر الباب عن: "التوربشتي" في حديث: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فتوضأ فليستنثر ثلاثًا، فإن الشيطان يبيت على خيشومه" ١ ما نصه: "حق الأدب دون الكلمات النبوية التي هي مخازن لأسرار الربوبية ومعادن الحكم الإلهية أن لا يتكلم في الحديث وإخوانه بشيء فإن الله تعالى خص رسوله -صلى الله عليه وسلم- بغرائب المعاني وكاشفة عن حقائق الأشياء ما يقصر عن بيانه باع الفهم ويكل عن إدراكه بصر العقل". ا. هـ.

وقال العارف الشعراني قدس سره في ميزانه: "روينا عن الإمام الشافعي -رضي الله عنه- أنه كان يقول التسليم نصف الإيمان قال له الربيع الجيزي بل هو الإيمان كله يا أبا عبد الله فقال وهو كذلك وكان الإمام الشافعي يقول: من كمال إيمان العبد أن لا يبحث في الأصول، ولا يقول فيها: "لم ولا كيف" فقيل له: وما هي الأصول فقال: هي الكتاب والسنة، وإجماع الأمة. ا. هـ. قال الشعراني: أي فنقول في كل ما جاءنا عن ربنا أو نبينا آمنا بذلك على علم ربنا فيه. ا. هـ.

أقول: رأيت بخط شيخنا العلامة المحقق الشيخ محمد الطندتائي الأزهري ثم الدمشقي على سؤال في فتاوي ابن حجر في الميت إذا ألحد في قبره هل يقعد ويسأل، أم يسأل هو راقد وهل تلبس الجثة الروح إلخ ما نصه: "اعلم أن السؤال عن هذه الأشياء، من باب الاشتغال بما لا يعني وقد ورد: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" وإنما كان من الاشتغال بما لا يعني لأن الله تعالى لم يكلفنا بمعرفة حقائق الأشياء، وإنما كلفنا بتصديق نبيه في كل ما جاء به وبامتثال أمره واجتناب نهيه. وإنما اشتغل بالبحث عن حقائق الأشياء. هؤلاء الفلاسفة الذين سمعوا أنفسهم بالحكماء؛ لأنهم أنكروا المعاد الجسماني، وقالوا بالحشر الروحاني، وزعموا أن النعيم إنما هو بالعلم، والعذاب إنما هو بالجهل، وقد عم هذا البلاد كثيرًا من العلماء حتى اعتقدوا أن هذه الفلسفة هي الحكمة، ورأوها أفضل ما يكتسبه الإنسان، وإن ما سواها من علوم الدين وآلاتها ليس فضيلة فلا حول ولا قوة إلا بالله، فالواجب تصديق الشارع في كل ما ثبت عنه، وإن لم يفهم معناه فلا تضيع وقتك في الاشتغال بما لا يعنيك. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.


١ أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، ومسلم من حديث بشر بن الحكم وغيرهما.

<<  <   >  >>