للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"لا تطروني" كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله" ولم ينس هذا المعنى وهو يعالج سكرات الموت، روى مسلم عن جندب ابن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". وفي رواية البخاري عن عائشة وابن عباس قالا: "لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا.

وقد اتفق العلماء على أن الأنبياء صلوات الله وسلامة عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله في تبليغ رسالاته، بخلاف غيرهم فإنهم غير معصومين.

أما العصمة في غير ما يتعلق بالتبليغ، فقد اختلف الناس فيها:

١- فذهب بعضهم إلى أنهم معصومون من الذنوب، لأن التأسي بهم مشروع. ولأن الذنوب تنافى كمالهم، وأولوا النصوص الدالة على وقوع الذنوب منهم تأويلا فاسدا.

وأجيب عما ذكروه بأن التأسي بهم مشروع فيما أقروه عليه دون ما نهوا عنه. وأن منافاة الذنوب للكمال إنما تكون مع البقاء عليها لا مع التوبة منها، فإن التوبة النصوح التي يقبلها الله تعالى ترفع صاحبها إلى أعظم مما كان عليه.

٢- وذهب جمهور العلماء إلى أنه قد يقع منهم الذنوب، ولكنهم معصومون من الإقرار عليها، لأنهم يبادرون إلى التوبة، والاستغفار، واستدلوا على ذلك بما جاء في القرآن الكريم من النصوص الكثيرة.

فقد قال تعالى في آدم: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} ١ ثم قال: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} ٢


١ طه: ١٢١.
٢- طه: ١٢٢.

<<  <   >  >>