للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجعل طاعتهم في ضمن طاعة الرسول، إيذانا بأنهم يطاعون تبعا لطاعة الرسول؛ فمن أمر منهم بما جاء عن الرسول وجبت طاعته، ومن أمر بخلاف ذلك فلا سمع له ولا طاعة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ١ وقال: "إنما الطاعة في المعروف" ٢.

وقد تضمنت الآية احتمال التنازع بين المؤمنين في بعض الأحكام وأوجبت الرد عند التنازع إلى الله والرسول، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هو الرد إليه نفسه في حياته وإلى سنته بعد وفاته، والأمر بالرد عند التنازع إلى الكتاب والسنة يدل على أنهما يشتملان على حكم كل شيء لأن قوله: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين، ولو لم يكن ما في كتاب الله وسنة رسوله كافيا لبيان حكم ما تنازعوا فيه، لما أمروا بالرد إليه، وهذا يجعل مرد الحلال والحرام إلى الله والرسول، أما ما يراه المجتهد فهو حكم باجتهاده، ولذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال: "فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا؟ ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك".

واجتهاد الصحابة الذي ذكرناه آنفا لا يعنى القول بالرأي المجرد؛ فإنه قد أثر عنهم ذم ذلك فأثر عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إن قلت في آية من كتاب الله برأيي، أو بما لا أعلم". وكان إذا اجتهد قال: هذا رأي؛ فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني، وأستغفر الله.

وأثر عن عمر نحو ذلك، وأنه قال: "إياكم والرأي".


١ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد. وأخرجه مسلم بلفظ "لا طاعة في معصية الله".
٢ رواه البخاري ومسلم.

<<  <   >  >>