للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ألف الشافعي كتاب "الأم" بعد أن استقر به المقام في مصر بالقاهرة، وهو مرتب حسب أبواب الفقه؛ فقد بدأ بعد البسملة بعنوان "الطهارة" وجاء في مطلعه "أخبرنا الربيع بن سليمان قال: أخبرنا الشافعي -رحمه الله- قال: قال الله عز وجل: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} ١ الآية، قال الشافعي: فكان بينا عند من خوطب بالآية أن غسلهم إنما كان بالماء، ثم أبان في هذه الآية أن الغسل بالماء٢. وكان معقولا عند من خوطب بالآية أن الماء ما خلق الله تبارك وتعالى مما لا صنعة فيه للآدميين.

وذكر الماء عاما؛ فكان ماء السماء، وماء الأنهار، والآبار، والقلات٣، والبحار، العذب من جميعه والأجاج سواء من أنه يطهر من توضأ، واغتسل منه، وظاهر القرآن يدل على أن كل ما طاهر، ماء بحر وغيره، وقد روى فيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث يوافق ظاهر القرآن في إسناده من لا أعرفه٤. قال الشافعي: أخبرنا مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة -رجل من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بردة، وهو من بني عبد الدار أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: "سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء؛ فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته".

ويتضح من هذا النص أن الشافعي يورد كلامه مستندا إلى الدليل من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع بيان فقهه في الدليل، وبيان درجة الحديث؛ فهو فقيه أصولي محدث.


١ المائدة: ٦.
٢ إشارة إلى قوله تعالى بعد في الآية "فلم تجدوا ماء" "المائدة: ٦".
٣ جمع قلت، كسهم وسهام، وهو النقرة من الجبل تمسك بالماء.
٤ يقصد الحديث الذي رواه بعد، ويحتمل أن يراد بمن لا يعرفه في إسناده: سعيد بن سلمة أو المغيرة أو كليهما.

<<  <   >  >>