للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يؤخذ من هذا النص أمران:

أولهما -وهو الموضوع الأساسي للباحث- أن الفتحة أخف من السكون في النطق.

وثانيهما -وهو ما يعنينا نحن- أن السكون شيء ينطق بالفعل، أي أنه -كالأصوات الحقيقية، حركات أو غير حركات- له تحقق صوتي Phonetic realization وأثر سمعي audible effect. وهذا الأمر الثاني واضح كل الوضوح من المقارنة بين الفتح والسكون، إذ هذه المقارنة تعد دليلا على الاعتراف باشتراكهما في الخاصة الأساسية للأصوات وهي النطقية.

وكون السكون شيئا ينطق أو كونه حركة يبدو أنه أمر بديهي ثابت لا يحتاج إلى تدليل أو تأييد في نظر هذا الباحث. إنما الذي يحتاج إلى ذلك هو ما ذهب إليه من أن الفتحة أخف من السكون نطقا. وإنه ليحاول جاهدا تأكيد ذلك بمختلف الشواهد المباشر منها وغير المباشر على سواء، ويعيب على النحاة أن اتجهوا في ذلك الأمر الاتجاه المضاد، فقرروا أن السكون هو الأخف من الفتح، لأنه -بعبارتهم- "أخف من الحركات جميعا". فقد يسمونه التخفيف، ويقولون: إن السكون عدم والحركة وجود. و"لا شيء" أضعف وأخف من "شيء"، مهما يكن ضعيفا. وذلك من سنتهم في الأخذ بالفلسفة النظرية وغلوهم فيها بما قد يلفتهم عن الواقع"١.

ونحن نرى أن في كلام النحاة ما يدل على ذكاء ووعي، وما يمكن أن يجعلهم أقرب منه إلى الواقع. فالسكون -في حقيقة الأمر- عدم أو "لا شيء" من الناحية النطقية. أما التعرض له من حيث الخفة أو الثقل فقد أوقعهم فيما يناقض كلامهم، إذ الخفة وعدمها أمران يرتبطان بالنطق،


١ إحياء النحو ص٨١.

<<  <   >  >>