للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الباب الحادي عشر: في الفصل والوصل]

[تمهيد في قة مسلكه وعظيم خطره]

...

الباب الحادي: عشر في الفصل والوصل

وفيه تمهيد وخمسة مباحث:

تمهيد في دقة مسلكه وعظيم خطره:

الفصل والوصل هو العلم بمواضع العطف أو الاستئناف والتهدي إلى كيفية إيقاع حروف العطف في مواقعها، أو تركها عند الحاجة إليها، وذلك صعب المسلك لطيف المغزى كثير الفائدة غامض السر لا يوفق للصواب فيه إلا من أوتي حظا من حسن الذوق وطبع على البلاغة ورزق بصيرة نقادة في إدراك محاسنها, ولصعوبة ذلك جعل حدا للبلاغة, ألا ترى إلى بعض البلغاء وقد سئل عن البلاغة فقال: "هي معرفة الفصل والوصل"، فجعل ما سواه تبعا ومفتقرا إليه, وليس بالخفي أنه لم يرد بذلك إلا التنبيه على غموضه وجليل خطره وأن أحدًا لا يكمل في معرفته إلا كمل في سائر فنونها، فإن سبك الكلام وقوة أسره وشدة تلاحم أجزائه تحتاج إلى صانع صنع وحاذق ماهر يبين بين أقسام الجمل التي تفصل والتي توصل, فيرى الفرق واضحا بين جملتين تمتزجان حد الامتزاج, حتى كأن إحداهما الأخرى وجملتين لا تناسب بينهما١ فإحداهما مشئمة٢ والأخرى معرقة، وجملتين هما وسط بين الأمرين فيحكم بوجوب الفصل في النوعين الأولين والوصل في النوع الثالث، واعتبر ذلك بما تراهم قد أجمعوا عليه من النعي على أبي تمام وهو ما هو، في قرص الشعر، ورفيع المنزلة، ورفيع المنزلة، في صياغة الكلام، في قوله يمدح أبا الحسين محمد الهيثم:

زعمت هواك عفا الغداة كما ... عفت منها طلول باللوى ورسوم

لا والذي هو عالم أن النوى ... صبر وأن أبا الحسين كريم٣

إذا قد وصل "وأن أبا الحسين كريم" بما قبله ولا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعليق لأحدهما بالآخر، إذ لا يقتضي الحديث، بهذا الحديث، بذلك.


١ المراد بذلك شدة التباين بينهما.
٢ أي: ناحية في الشام.
١ زعمت: أي: محبوبته، عفا: درس وزالت معالمه، والطلول جمع طلل آثار الديار التي هجرها أهلها، والصبر ثم شجر مر, والخطاب في هواك للنفس، وجواب القسم ما ذكره في البيت بعده:
ما زلت عن سنن الوداد ولا غدت ... نفسي على إلف سواك تحرم

<<  <   >  >>