للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: في تعريف الحقيقة]

الحقيقة في اللغة فعيل بمعنى فاعل من حق الشيء إذا ثبت، أو بمعنى مفعول من حققت الشيء إذا أثبته، ثم نقل إلى الكلمة الثابتة أو المثبتة في مكانها الأصلي والتاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية.

وقد علمت مما سبق أن الحقيقة التي نبحث عنها ضربان: حقيقة لغوية، وحقيقة عقلية.

١- فاللغوية هي الكلمة المستعملة فيما وضعت١ له في إصلاح التخاطب، فخرج بقولنا المستعملة الكلمة قبل الاستعمال، فلا تسمى حقيقة ولا مجازا، وبقولنا فيما وضعت له الغلط، نحو: خذ هذا الكتاب، مشيرا إلى مسطرة، والمجاز الذي لم يستعمل فيما وضع له، لا في اصطلاح التخاطب، ولا في غيره، كلأسد المستعمل في الرجل الشجاع؛ لأن الاستعارة وإن كانت موضوعة فوضعها تأويلي, أي: يحتاج إلى قرينة لا تحقيقي، والمفهوم من إطلاق الوضع التحقيقي وهو ما كانت الدلالة فيه بنفسه لا بقرينة، وبقولنا في اصطلاح التخاطب المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر غير الاصطلاح الذي وقع به التخاطب كالزكاة, إذا استعملها الشرعي في النماء، فإنها تكون مجازا؛ لأنها لفظ استعمل في غير ما وضع له في اصطلاح الشرع، وهو الجزء المخصوص الذي يؤخذ من المال، ويعطى للسائل والمحروم، وإن كان مستعملا فيما وضع له في اصطلاح اللغة، فلولا هذا القيد لتناول تعريف الحقيقة والمجاز.

٢- والعقلية هي إسناد الفعل، أو ما في معناه إلى ما هو له عند المتكلم في الظاهر، أي: إسناد الفعل، أو ما في معناه، وهو المصدر واسم الفاعل، واسم المفعول والصفة المشبهة، واسم التفضيل والظرف، إلى ما هو له عند المتكلم فيما يفهم من ظاهر٢ حاله بألا ينصب قرينة على أنه غير ما هو له في اعتقاده، ومعنى كونه له أن حقه أن يسند إليه؛ لأنه وصف له وذلك كإسناد الفعل المبني للفاعل إلى الفاعل، وإسناد الفعل المبني للمفعول، وستأتي الأمثلة عند ذكر أقسامها، وهي أربعة:

١- ما يطابق الواقع والاعتقاد معا كقول الموحد: خلق الله العالم.

٢- ما يطابق الواقع دون الاعتقاد ولا يكاد يوجد له مثال, ومثلوا له بقول المعتزلي لمن لا يعرف حقيقة حاله وهو يخفيها عنه "خلق الله الأفعال كلها"


١ الوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه، فخرج بقولنا بنفسه المجاز؛ لأن دلالته بالقرينة، ودخل المشترك؛ لأنه قد عين للدلالة على كل من المعنيين بنفسه وعدم فهم أحدهما بالتعيين لعارض لا ينافي ذلك، فالقرء مثلا عين مرة للدلالة على الطهر بنفسه وأخرى للدلالة على الحيض بنفسه، فهو موضوع لكل منهما على وجه الاستقلال.
٢ سيأتي إيضاح ذلك في المجاز.

<<  <   >  >>