للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢- غرابة وجه الشبه ولطفه وكثرة التفصيل فيه وبعده من الابتذال وعدم خفائه إلى الغاية حتى لا يكون تعمية وألغازا، ومن ثم لا يحسن استعارة الأسد لإنسان أبخر لخفاء وجه الشبه في مجرى العادة في مثل هذا.

٣- ألا يشم منها رائحة التشبيه لفظا، ومن ثم ضعفت الاستعارة في قوله: قد زر أزراره على القمر١.

٤- بعدها عن الحقيقة بترشيحها تقوية لدعوى الاتحاد فيها، ومن أجل هذا قدمت المرشحة على المطلقة والمجردة في اعتبار البلغاء، فإن خلت الاستعارة مما سبق ذكره انحطت رتبتها واستهجنت كقول أبي نواس:

بح صوت المال مما ... منك يشكو ويصيح

يريد أن المال تظلم من إهانته إياه بتمزيقه بالعطايا، وهذا معنى حسن، لكن العبارة عنه قبيحة لا تروق في نظر البلغاء ويأباها ذوو الفطر السليمة٢.

وقوله أيضا وهو أسخف من الأول:

ما لرجل المال أضحت ... تشتكي منك الكلالا

فأين هذا من قول مسلم بن الوليد في هذا المعنى:

تظلم المال والأعداء من يده ... لا زال للمال والأعداء ظلاما

وقول أبي تمام:

بلوناك أما كعب عرضك في العلا ... فعال وأما خد مالك أسفل

مراده أن عرضك مصون ومالك مبتذل، لكنه قد ساقه مستكرها، وأخرجه مخرجا مستهجنا، وكقول بشار:

وجذت رقاب الوصل أسياف هجرنا ... وقدت لرجل البين نعلين من خدي

قال في "العمدة": فما أهجن رجل البين وأقبح استعارتها ولو كانت الفصاحة بأسرها فيها، وكذلك رقاب الوصل.


١ إذ الضمير في أزراره لمحبوبه ولم يكن هذا من التشبيه لما تقدم من أن المشبه لم يذكر على وجه ينبي عن التشبيه بأن يكون المشبه به خبرا عنه أو حالا أو صفة، بل فيه رائحة الأشعار فقط.
٢ إذ أي شيء أبعد استعارة من صوت المال، فكيف به إذا بح من الشكوى والصياح، مع أنه ليس له صوت حين يعطي.

<<  <   >  >>