للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث العشرون: في المجاز العقلي أو المجاز الحكمي ١

هذا ضرب آخر من الاتساع والتجوز، غير ما قدمنا لك الكلام عليه، فإن ما مضى كانت تذكر فيه الكلمة ولا يراد معناها, ولكن ما هو ردف للمعنى أو شبيه به، فالتجوز كان يكون في اللفظ نفسه.

أما ما هنا فإن الكلمة متروكة على ظاهرها ومعناها مقصود في نفسه، وإنما التجوز في حكم يجري عليها، كقولهم: نام ليلي، وقوله تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ} ، ففي هذا مجاز لكنه ليس في ذوات الألفاظ، فإن الليل والتجارة مستعملان في حقيقتهما، بل في أن جعلتهما فاعلين لنام وربح.

ومن هذا تفهم ما قالوه في تعريف هذا المجاز بأنه إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في الظاهر من حال المتكلم لملابسة مع قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له، وما في معنى الفعل هو المصدر واسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة، ومعنى كونه غير ما هو له أنه ليس من حقه أن يسند إليه؛ لأنه ليس يوصف له، ومعنى الملابسة العلاقة.

وهذا التعريف يشمل إسناد الفعل المبني للفاعل وما في حكمه كاسم الفاعل إلى غير فاعله كالمفعول والمصدر والزمان والمكان والسبب مما له علاقة بالفاعل، وإسناد الفعل المبني للمفعول وما في حكمه كاسم المفعول إلى غير نائب الفاعل مما له علاقة به، كالفاعل والمصدر ونحوهما، وإيضاح هذه العلاقات مما يلي:

١- إسناد ما بني للفاعل إلى المفعول نحو: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ٢، و {مَاءٍ دَافِقٍ} .


١ البحث عن هذا المجاز من حيث كيفية الدلالة من البيان ومن حيث تحصل به المطابقة لمقتضى الحال من المعاني، والحق أن ذكره في المعاني كما فعل القزويني في الإيضاح كان استطرادا.
٢ أصل الكلام رضي المرء عيشته فأسند الفعل للمفعول من غير أن يبنى له فصار: رضيت العيشة، ثم أخذ من الفعل المبني للفاعل اسم فاعل وأسند إلى ضمير العيشة فآل الأمر إلى أن صار المفعول فاعلا, وهكذا يقال في نظائره.

<<  <   >  >>