للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا من بديع الكناية، أم خفية يتوقف الانتقال منها إلى اللازم على التأمل وإعمال الرؤية، كقولهم كناية عن الأبله هو عريض القفا، إذ يزعمون أن عرض القفا وعظم الرأس إذا أفرطا دلا على الغباوة، أوما ترى إلى قول طرفة:

أنا الرجل الضرب الذي تعرفونه ... خشاش كرأس الحية المتوقد

ب- بعيدة، وهي ما ينتقل منها إلى المطلوب بها بواسطة كقولهم في الكناية عن المضياف: هو كثير الرماد، فإنه ينتقل الذهن من كثرة الرماد إلى كثرة الطبائخ، ومنها إلى كثرة الرماد، ومنها إلى كثرة الضيفان، ثم إلى المضيافة، وهي المقصودة، ونظيره قول الآخر:

وما يك في عيب فإني ... جبان الكلب مهزول الفصيل

فإن الذهن ينتقل من جبن الكلب عن الهرير في وجه من يقصد دارا هو مقيم على حراستها والعس دونها، مع أن ذلك ليس من طبعه، إلى أنه قد دام زجره وتأديبه حتى تغير عن مجرى عادته، ثم إلى استمرار موجب نباحه وهو اتصال مشاهدته وجوها إثر وجوه، ومن ذا إلى كونه ملجأ للقاصي وللداني، ومن ذا إلا أنه مشهور بحسن قرى الأضياف.

وكذا ينتقل من هزال الفصيل إلى فقد الأم، ومن ذا إلى قوة الداعي إلى نحرها مع كمال عنايتهم بالنوق، خصوصا المثالي١ منها، ومن هذا إلى صرفها إلى الطبائخ، ومن ذا إلى أنه مضايف.

٢- كناية، يطلب بها موصوف، نحو قولك كناية عن الأسد: قتلت ملك الوحوش، وشرطها الاختصاص بالمكني عنه ليحصل الانتقال منها إليه، وهي ضربان:

أ- ما هي معنى واحد بأن يتفق في صفة اختصاصها بموصوف معين فتذكر تلك الصفة ليتوصل بها إلى ذلك الموصوف كمجامع الأضغان كناية عن القلوب في قوله:

الضاربين بكل أبيض مخذم ... والطاعنين مجامع الأضغان٢


١ المثالي من أثلت الناقة إذا تلاها ولدها.
٢ الضاربين منصوب على المدح وكذا الطاعنين، والأبيض: السيف، والمخذم: القاطع.

<<  <   >  >>