للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسبق؛ لأنه لا يصل إلى مثله كل أحد، فهو جدير بالتفاضل بين القائلين فيقال: إن أحدهما يفضل الآخر وإن الثاني زاد على الأول، أو نقص، كما فعل أبو تمام فابتدع معنى جديدا، ذاك أنه حين أنشد أحمد بن المعتصم قصيدته السينية التي مطلعها:

ما في وقوفك ساعة من باس ... تقضي حقوق الأربع الأدراس

حتى انتهى إلى قوله:

إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس

قال الحكيم الكندي: وأي فخر في تشبيه ابن أمير المؤمنين بأجلاف العرب؟

فأطرق أبو تمام، ثم أنشد:

لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس

فالله قد ضرب الأقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس

فهذا معنى ابتكره ولم يتقدمه أحد به، فمن أتى بعده بهذا المعنى أو بجزء منه عد سارقا له.

وهذه السرقات، وإن تعددت فنونها وكثرت مذاهبها، لا تخرج عن ثمانية أنواع، وهي:

١- النسخ: الانتحال، وهو سرقة مذمومة، وحقيقته أن يأخذ أحد الشاعرين معنى صاحبه ولفظه، كله أو أكثره، فهو إذًا على قسمين:

أ- أن يأخذ لفظ الأول ومعناه، ولا يخالفه إلا بروي القصيدة، كقول امرئ القيس:

وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتحمل

أخذه طرفة وأجراه على منواله الأول، فقال:

وقوفا بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد

ب- أن يأخذ المعنى وأكثر اللفظ، كقول الأبيرد اليربوعي:

فتى يشتري حسن الثناء بماله ... إذا السنة الشهباء أعوزها القطر

وقول أبي نواس:

فتى يشتري حسن الثناء بماله ... ويعلم أن الدائرات تدور

<<  <   >  >>