للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي سنراه في هذا الفصل، صورةً من خلطهم أيضًا من الدلالة الذاتية والدلالة المكتسبة، فكثير من قضايا الاشتقاق ردوه بلطف الصنعة إلى ما يشبه القول بالمناسبة الطبيعية بين اللفظ ومدلوله، كأنما ودوا لو يتجاهلون أن الاشتقاق وَضْعٌ لأنه أخذ صيغة من أخرى، فهو أجدر أن يكون ذا دلالة مكتسبة لا ذاتية، متطورة لا أصلية، منذ أن اكتسب بالوضع معنًى جديدًا متفرعًا عن الأصل القديم.

وأيًّا ما خلط لغويو العرب بين الطبع والوضع، والأصل والفرع، في دراسة أبواب الاشتقاق، فلا غفران لنا اليوم -بعد أن اتسعت آفاق البحث اللغوي المقارن- في أن نعد الدلالة الاشتقاقية -وهي فرعية- كالدلالة الطبيعة التي كانت هي الأصلية.

إنما ندرس الاشتقاق في ظلال دلالته الوضعية على أنه توليد لبعض الألفاظ من بعض، والرجوع بها إلى أصل واحد يحدد مادتها, ويوحي بمعناها المشترك الأصيل, مثلما يوحي بمعناها الخاص الجديد. وهذه الوسيلة الرائعة في توليد الألفاظ وتجديد الدلالات نجدها في أنواع الاشتقاق الثلاثة الشائعة: الأصغر، والكبير، والأكبر، وفي النوع الرابع الملحق بها، وهو النحت١ الذي يؤثر بعض المحدثين أن يسميه "الاشتقاق الكُبَار"٢.

والاشتقاق الأصغر أكثر أنواع الاشتقاق ورودًا في العربية، وهو محتجٌّ به لدى أكثر علماء اللغة "وطريق معرفته تقليب تصاريف الكملة، حتى يرجع منها إلى صيغة هي أصل الصيغ كلها, دلالةَ اطراد أو حروفًا غالبًا؛ كضَرْب, فإنه دالٌّ على مطلق الضرب فقط، أما ضارب، ومضروب، ويضرب، وأضرب، فكلها أكثر دلالة وأكثر حروفًا،


١ أصول النحو ١٢٦.
٢ الاشتقاق "لعبد الله أمين" ص ٣٨٩.

<<  <   >  >>