للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التصريف، قال ابن فارس: العرب تنحت من كلمتين كلمة واحدة، وهو جنس من الاختصار١. وذلك "رجل عبشمي" منسوب إلى اسمين، وأنشد الخليل:

أقول لها ودمع العين جارٍ ... ألم تحزنك حيعلة المنادي

من قوله: حي على٢.

ويُعد ابن فارس إمام القائلين بالنحت بين اللغويين العرب المتقدمين، فلم يكتفِ بالاستشهاد على هذه الظاهرة اللغوية بالأمثلة القليلة الشائعة التي ربما لا تجاوز الستين عددًا، بل ابتدع لنفسه مذهبًا في القياس والاشتقاق حين رأى أن الأشياء الزائدة على ثلاثة أحرف فأكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضبطر" من "ضبر"٣، وفي قولهم: "صهصلق" إنه من "صهل" و"صلق"٤، وفي "الصلدم"٥ إنه من "الصلد" و"الصدم"٦. وقد بنى معجمه "المقاييس" على هذا المذهب في كل مادة رباعية أو خماسية أمكنه أن يرى فيها شيئًا من النحت، حتى كثرت المواد المنحوتة على مذهبه لو استخرجت من مواطنها المتفرقة في "معجمه". وأراد أن يرسم للقارئ منهجه في النحت فقال: "اعلم أن للرباعي والخماسي مذهبًا في القياس، يستنبطه النظر الدقيق. وذلك أن أكثر ما تراه منه منحوت. ومعنى النحت: أن تؤخذ كلمتان


١ قارن بالمزهر "١/ ٤٨٣ " نقلًا عن ابن دحية في "التنوير".
٢ الصاحبي ص٢٧٧ "باب النحت"، وقارن بفقه اللغة "للثعالبي" ٥٧٨.
٣ ضبر: اكتنز.
٤ الصهصلق: الصوت الشديد للمرأة والرعد والفرس "فقه اللغة للثعالبي ٣٢٤".
٥ الصلدم: الشديد الحافر.
٦ الصاحبي ص٢٢٧. وقارن بالمزهر ١/ ٤٨٢.

<<  <   >  >>