وقرأت لبعض أهل العلم أنه عد ما في هذا المعتقد إجماعا
وقال الإمام معمر بن زياد الأصبهاني:
" وأن الله استوى على عرشه بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل والإستواء معقول والكيف مجهول وأنه بائن من خلقه والخلق بائنون منه فلا حلول ولا ممازجة ولا ملاصقة وأنه سميع بصير عليم خبير يتكلم ويرضى ويسخط ويعجب ويضحك ويتجلى لعباده يوم القيامة ضاحكا وينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا بلا كيف ولا تأويل كيف شاء فمن أنكر النزول أو تأول فهو مبتدع ضال " ا. هـ
فأثبت للنزول وللاستواء كيفا لكنه مجهول لدينا.
وتأمل نفيه للكيف في الأول ثم إثباته للكيف فهو يبين لك ما أردت إيصاله إليك
ـ " بلا كيف " أي نعلمه أو نتعرض له
ـ و " كيف شاء " مما هو عليه تعالى ويعلمه
وقال الإمام عبدالباقي المواهبي الحنبلي في كتابه العين والأثر:
" والكلام حقيقة الأصوات والحروف وإن سمي به المعنى النفسي وهو نسبة بين مفردين قائمة بالمتكلم فمجاز
... فلم يزل الله متكلما كيف شاء إذا شاء بلا كيف "
وقال العلامة الملطي الشافعي في كتابه التنبيه والرد:
" ومما يدل على أن الله تبارك وتعالى ينزل كيف يشاء إذا شاء صعوده إلى السماء واستواؤه على العرش " ا. هـ
قال الشوكاني:
" ولم يحط بفائدة هذه الآية ويقف عندها ويقتطف من ثمراتها إلا الممرون الصفات على ظاهرها المريحون أنفسهم من التكلفات والتعسفات والتأويلات والتحريفات وهم السلف الصالح كما عرفت فهم الذين اعترفوا بالإحاطة وأوقفوا أنفسهم حيث أوقفها الله وقالوا الله أعلم بكيفية ذاته وما هية صفاته " ا. هـ
فيه إثبات الكيف مع تفويض العلم بهذا الكيف
ومما اشتهر وكان كلمة اتفاق قول العلماء عن كثير من الصفات: " والكيف مجهول "
ولو كان الكيف عدما لما كان مناسبا وصفه في هذا المقام الدقيق بما يفهم منه أنه ليس بعدم بل موجود لكنه مجهول لدينا فقط
كل هذه الأقوال وغيرها دالة على المراد من أن لصفات الله كيفيات ما لكن لا نعلمها فلذلك لانكيفها ولا ننفيها
وهذا شيء ينبغي أن يكون مسلّما ولا يحتاج منا إلى كل هذه النقول فالصفات باعتبارها صفات قائمة حقيقية فلا بد أن يكون لها كنه وحقيقة ولا يمكن أن يكون هناك كنه وحقيقة دون كيفية فما لا كيفية له فليس له كنه ولا حقيقة، وما كان كذلك فليس بشيء وليس بموجود
وبهذا نكون قد دللنا على الفقرة (أ) و (ب) بكلام السلف وغيرهم من أهل السنة كما وعدنا
وبقيت الفقرة الثالثة (ج) وهي في التفريق بين إثبات المعنى الظاهر وبين التكييف، فقد سبق أن صفة السمع والبصر ثابتتان بمعناهما المعروف و مع اعتقادنا لمعناهما لا نكيفهما
وهذا الموقف منا في صفة السمع والبصر ونحوهما لم يستشكله المخالفون لنا من أهل التعطيل وقبلوا تفريقنا بين إثبات المعنى ونفي التكييف
لكنهم أو كثير منهم نصبوا لنا الإشكال في هذا التفريق عند إثباتنا للصفات الخبرية كاليدين والنزول ونحوهما وهذا منهم تناقض يكشف ما لديهم من خلط في هذه المسائل
فإليك تطبيقات العلماء وأقوالهم لتنكشف لك الرؤية أكثر
قال الإمام أبو الحسن الأشعري:
" وأن له عينين بلا كيف "
ذكر هذا في كتابه مقالات الإسلاميين وفي الإبانة
وتثنية العينين لم تثبت في لفظ فهذا دليل على إثباته المعنى وأنه عنده غير الكيف
قال الإمام ابن خزيمة:
" باب أخبار ثابتة السند صحيحة القوام
رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية لأن نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفيه نزول خالقنا إلى سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل. والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم.
فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الاخبار من ذكر النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفيه النزول.
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا أنه ينزل إليه إذ محال في لغة العرب أن يقول نزل من أسفل إلى أعلى ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل " ا. هـ
فأثبت معنى النزول وفرق بينه وبين الكيفية ففوض هذا الكيف.
¥