وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لم يختلف أحد من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه إذا طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة، وهذا مما تواترت به الأحاديث " مجموع الفتاوى 26\ 61، 62 ..
وبعدما اتفق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام حجه بفسخ الحج إلى العمرة بقوله صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة. وأمره من لم يسق الهدي من أصحابه أن يفسخ حجه إلى عمرة، اختلفوا هل كان ذلك خاصا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يكن خاصا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل هو واجب أو مستحب؟ اختلفوا إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن فسخ الحج إلى العمرة لا يجوز، سواء ساق الهدي أم لم يسقه، وأن ذلك كان خاصا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية.
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1 - ما روي من طريق الحارث بن بلال عن أبيه قال: قلت: سنن النسائي كتاب مناسك الحج (2808)، سنن أبو داود المناسك (1808)، سنن ابن ماجه كتاب المناسك (2984)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 469)، سنن الدارمي المناسك (1855).يا رسول الله، أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال: " بل لكم خاصة. رواه أحمد وأبو داود
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 217)
والنسائي وابن ماجه مسند الإمام أحمد 3\ 469، وسنن أبي داود 2\ 161 حديث رقم 1808، وسنن النسائي 5\ 179.2 - عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن سليمان بن الأسود، أن أبا ذر رضي الله عنه كان يقول- فيمن حج ثم فسخها بعمرة-: سنن أبو داود المناسك (1807)، سنن ابن ماجه المناسك (2985).لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود في سننه 2\ 161 حديث رقم 1807 ..
3 - عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: صحيح مسلم الحج (1224)، سنن النسائي مناسك الحج (2812)، سنن ابن ماجه المناسك (2985).كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة. رواه مسلم مسلم بشرح النووي 8\ 203.وفي رواية عند مسلم عن أبي ذر، قال: صحيح مسلم الحج (1224)، سنن ابن ماجه المناسك (2985).لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة: متعة النساء ومتعة الحج قالوا: والمراد. بمتعة الحج هنا فسخ الحج إلى عمرة المجموع 7\ 169 ..
4 - إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفسخ؛ ليحرموا بالعمرة في أشهر الحج، ويخالفوا ما كانا الجاهلية عليه من تحريم العمرة في أشهر الحج، وقولهم: إنها من أفجر الفجور التمهيد 8\ 356، والمجموع 7\ 168 ..
ونوقشت هذه الأدلة بما يلي:
حديث الحارث بن بلال لا يصح، وحديثه لا يكتب، ولا
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 218)
يعارض. بمثله الأحاديث الصحيحة. وقالوا: وهو حديث ساقط بالمرة باطل لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفرد به ربيعة عن الحارث بن بلال المجهول الذي لا يعرف؛ فهو من افترائه أو من غلطه ووهمه، فإن الحديث المقطوع بصحته قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف هذا، وأن ذلك إلى الأبد، مما هو قاطع بكذب هذا الحديث وبطلانه.
وأما المروي عن أبي ذر رضي الله عنه أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا إن أريد به أصل المتعة فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، وإن أريد به متعة الفسخ فهذا رأي رآه أبو ذر رضي الله عنه، وقد قال ابن عباس وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما: إن ذلك عام للأمة، فرأي أبي ذر رضي الله عنه معارض برأيهما، وسلمت النصوص الصحيحة الصريحة.
ثم من المعلوم أن دعوى الاختصاص باطلة، بنص النبي صلى الله عليه وسلم أن تلك العمرة التي وقع السؤال عنها، وكانت عمرة فسخ لأبد الأبد، لا تختص بقرن دون قرن، وهذا أصح سندا من المروي عن أبي ذر رضي الله عنه، وأولى أن يؤخذ به منه لو صح عنه.
وأيضا فإذا رأينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختلفوا في أمر قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله وأمر به، فمال بعضهم: إنه منسوخ
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 219)
¥