أو خاص، وقال بعضهم: هو باق إلى الأبد، فقول من ادعى نسخه أو اختصاصه مخالف للأصل، فلا يقبل إلا ببرهان، وإن أقل ما في الباب معارضته بقول من ادعى بقاءه وعمومه، والحجة تفصل بين المتنازعين، والواجب عند التنازع الرد إلى الله ورسوله؛ فإن قال أبو ذر: إن الفسخ منسوخ أو خاص، وقال أبو موسى وابن عباس: إنه باق وحكمه عام، فعلى من ادعى النسخ والاختصاص الدليل.
على أن المروي عن أبي ذر يحتمل ثلاثة أمور:
أحدها: اختصاص جواز ذلك بالصحابة، وهو الذي فهمه من حرم الفسخ.
والثاني: اختصاص وجوبه بالصحابة، وهو الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وأما الجواز والاستحباب فللأمة إلى يوم القيامة.
والاحتمال الثالث: أنه ليس لأحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدي، بل هذا يحتاج معه إلى الفسخ، لكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في آخر الأمر، من التمتع لمن لم يسق الهدي، والقران لمن ساق الهدي، كما صح عنه ذلك.
وأما أن يحرم بحج مفردا ثم يفسخه عند الطواف إلى عمرة مفردة ويجعله متعة، فليس له ذلك، بل هذا إنما كان للصحابة، فإنهم ابتدأوا الإحرام بالحج المفرد قبل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمتع والفسخ إليه، فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه لم يكن لأحد أن يخالفه ويفرد ثم يفسخه.
وإذا تأملت هذين الاحتمالين الأخيرين، رأيتهما إما راجحين على الاحتمال الأول أو مساويين له، وتسقط معارضة الأحاديث
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 220)
الصريحة به جملة انظر: زاد المعاد 2\ 191 - 194 بتصرف يسير ..
وأما المروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول- فيمن حج ثم فسخها بعمرة-: سنن أبو داود المناسك (1807)، سنن ابن ماجه المناسك (2985).لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود تقدم تخريجه ص 217 ..
فقد قال النووي: " إسناد هذا لا يحتج به؛ لأن محمد بن إسحاق مدلس، وقد قال " عن "، واتفقوا على أن المدلس إذا قال " عن " لا يحتج به " المجموع 7\ 169 ..
قلت: وعلى فرض صحته فقد تقدم الجواب عن ذلك. وأما القول بأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بالفسخ؛ ليبين الجواز، وليخالف ما كانت الجاهلية تعتقده من عدم جواز العمرة في أشهر الحج.
فالجواب عنه:
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عمره الثلاث في أشهر الحج في ذي القعدة، فكيف يظن أن الصحابة رضي الله عنهم لم يعلموا جواز الاعتمار في أشهر الحج إلا بعد أمرهم بفسخ الحج إلى عمرة؟
2 - أنه ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قد قال لهم عند الميقات: صحيح البخاري الحج (1786)، صحيح مسلم الحج (1211)، سنن النسائي مناسك الحج (2763)، سنن أبو داود المناسك (1782)، سنن ابن ماجه المناسك (2963).من شاء أن يهل بعمرة فليفعل، ومن شاء أن يهل بحجة فليفعل، ومن شاء أن يهل بحج وعمرة فليفعل، فبين لهم جواز الاعتمار في أشهر الحج عند الميقات وعامة
(الجزء رقم: 59، الصفحة رقم: 221)
المسلمين معه، فكيف لم يعلموا جوازها إلا بالفسخ؟
3 - أنه أمر من لم يسق الهدي أن يتحلل، وأمر من ساق الهدي أن يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، ففرق بين محرم ومحرم. وهذا يدل على أن سوق الهدي هو المانع من التحلل لا مجرد الإحرام الأول، والعلة التي ذكروها لا تختص بمحرم دون محرم فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل التأثير في الحل وعدمه للهدي وجودا وعدما لا لغيره زاد المعاد 2\ 213 ..
4 - وأيضا فالذين حجوا معه متمتعين كان في حجهم ما يبين الجواز، فلا يجوز أن يأمر جميع من حج معه بالتحلل من إحرامه وأن يجعلوا ذلك تمتعا لمجرد بيان جواز ذلك، ولا ينقلهم عن الأفضل إلى المفضول؛ فعلم أنه إنما نقلهم إلى الأفضل. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد؟ فقال: صحيح مسلم الحج (1241)، سنن الترمذي الحج (932)، سنن أبو داود المناسك (1790).بل للأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة.
¥