{9} أقدم دراسة القافية الموحدة، لما لتوحيدها من أثر في قيمتها سبق بيانه، ولانحصار القافية المعددة في بعض شعر الحبسي والصقلاوي. وعلى رغم كون توحيد القافية تكرارا لمجموعة الأصوات التي تكونها آخر كل بيت من أبيات القصيدة الواحدة، ينبغي التنبيه على خطر حرف الروي دون غيره من تلك الأصوات في توحيد القافية وتعديدها.
لقد أراد الدكتور أحمد كشك كفكفة غلواء زعم الشعراء المحدثين أنهم حرروا القافية؛ " لأن ترخصا في قيمة الروي ليس ترخصا في القافية كلها. فقد علمنا أن الوصل والتأسيس والردف والخروج أجزاء قافية ووجود هذه القيم مع ضياع الروي لا يثبت أن القافية قد ضاع أمرها في شعرنا المعاصر تماما. على دارس الشعر إذ عن له أن يدرك التطور في القافية أو قل التحرر فيها، أن يقيس هذا التحرر بمنظور القافية الأشمل بحروفها وحركاتها، وكل ما تلتزمه من قيم لغوية تتمم حدها الإيقاعي؛ ومعنى ذلك - كما قلت - نفي تصور القافية من خلال حرف واحد من حروفها فحسب " (27)، فأوحى بأنه لا أثر لتعديد الروي في توحيد القافية، وهو رأي له شيعته من نقاد الشعر الحديث المتعصبين له، أثار شاعرا عموديا فاستنكره وذكر أن القافية لا تقوم بغير الروي، وتمسك بما رواه ابن كيسان من جعل القافية هي حرف الروي نفسه (28).
والحقيقة في غير تعصب، أن حرف الروي ركن مؤثر وجودا وعدما، في توحيد القافية وتعديدها، وليس أدل على ذلك من تفقد سيرة القافية الخالية منه. إننا نظرنا في قصيدة الحبسي " أنيسة الوحيد " أسبق ما عدّد قافيتَه ورودا، فوجدناها تبدأ بقافية مطلقة مردفة بالألف موصولة بالياء، رائية:
" الحمد لله الوهوب الباري الخالق المهيمن الجبارِ " (29)
وتثني بها كذلك في البيت الثاني، ما دام الراء رويا، حتى إذا ما صارت دالية، صارت مطلقة مجردة موصولة بالياء، ثم غير ذلك:
" مدبر الأمر المليك الصمد المستعان الواحد المنفردِ " (30)
ونظرنا في قصيدة الصقلاوي " لو كنت معي "، أسبق ما عدّد قافيته ورودا، فوجدناها تبدأ مقيدة مجردة، رائية:
" لو كنت معي يا فتنة من زمن
لتحول كل الأصفر أخضر " (31)،
وتثني بها وتثلث كذلك، ما دام الراء رويا، حتى إذا ما صارت تائية، صارت مطلقة مردفة بالألف موصولة بالياء، ثم غير ذلك:
" لو كنت معي ..
لعشقت بصوتك أحلى النغمات " (32).
إن القافية عندئذ تتعدد من جهة كل جزء منها، وكأن حرف الروي سلك عقدها الذي انقطع فانفرطت حباته.
أقدم بحث القافية الموحدة لأهميتها، وأقدم بحث المقيدة منها لانحصارها، معتمدا معطيات إحصاء العناصر الدالة أفكارا يدور عليها البحث، مجتهدا في تفصيلها وتفسيرها، مستعينا بالله على سَلْسَلَةِ الأبحاث فيما بقي.
تنبيهات:
- راعيت في ترتيب الجداول نسب استعمال الأنواع في مادة البحث، فإذا اتفقت النسب راعيت الترتيب العروضي العلمي.
- اُلمقَيَّدة هي الساكنة الرَّوِيّ الذي هو الصوت الصامت الثابت دون غيره من أصوات القافية.
- اُلمرْدَفة هي التي قبل رويها ألف أو واو أو ياء ساكنة تسمى (رِدْفا).
- اُلمؤَسَّسة هي التي قبل الحرف الذي قبل رويها ألف تسمى (تأسيسا).
- اُلمجَرَّدَة هي الخالية من الردف والتأسيس.
- اَلمقْصورة هي التي رويها ألف أصلية.
- مجموع القصائد المقيدة القافية الموحدة، من قصائد الدواوين كلها، 6 من 147 للستالي، و 51 من 348 للحبسي، و 15 من 97 للبهلاني، و 5 من 42 للصقلاوي؛ فهي إذن 77 من 634.
أولا: القافية المقيدة على العموم
{10} إن النسبة القليلة التي قدمها الجدول الأول لتقييد القافية في الشعر العماني على العموم (12.14%)، غير غريبة عن الشعر العربي القديم وما نحا نحوه مما بعده (33)، وهو ما أثار الباحثين إلى كشف سره وتفسيره، فكان منهم من رأى الشعر موسيقا تكون بالحركة والمد ولا تكون بالسكون إلا تعمدا؛ رغبة في طريقة تعبيرية خاصة (34)، وهو فيما أحسب، الرأي المتناقل بين أهل اللغة والأدب غير ذوي العلم المكين بالموسيقا، وكان منهم من دعا إلى اختيار أحد أمور ثلاثة:
¥