تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أرى ألف معنى ما له من مجانس لدينا، وألف ما له ما يناسب

فيا ليت قومي يعلمون بإنني على نكد التعريب جدي ذاهب

اسكت يا شيخ، لقد علموا، ولكن أنت تنفخ في رماد.

لقد كتب في تآليفه كل ما هو مبتكر حقاً، فخلق أدباً حياً لا أدباً ذابلاً، إن تحرك ناس كلعب الأولاد.ويا ليه كتب قصة بمعناها المعروف اليوم، إذن لكان لنا أروع القصص. وإن صح حشر سيرة الحياة بين القصص، فالفارياق قصة عالمية رائعة. فما أروع وصف تلك الغربة التي جلت ذاك الصقيل الفرد.

حدثنا رواة الأخبار عن المعري القفلة، ولكن الدليل على ذاكرته العجيبة لم يقم، أما إمامنا ففي فارياقه وجميع آثاره ألف دليل على ذلك الدماغ الغريب، فهو المؤلف العجيب حتى في كتبه اللغوية، وكل من ألفوا قبله وبعده نساخ، فمن شاء أن يؤلف في اللغة بعد أحمد فليستح، وليعذرني أبو عثمان المازني إن استعرت كلمته هذه، فهنا محلها أيضاً.

الأديب و الناقد:

الشدياق رجل قوي الباصرة، ليس في جرابه رغيف من خبز الرومنتيكية، فهو الجاحظ سواء بسواء، ولولا تشكيه البرد وتبرمه بالثلج لقلت إنه لم يحسّ الطبيعة قط، اكتفى بالمرأة عن كل ما خلق وما لم يخلق، فكل الصيد في جوف الفرا. ولولا كرهه طعام الإنجليز وحنينه إلى طعامنا لقلت إن الرجل يعيش على الانتقاد، فلم تنج ناحية من نواحي الاجتماع من جراد نقده الزحاف، لم يدع زاوية من زوايا الكون إلا ولجها، ينتقد الدنيا جماعات وأفراداً وحكومات وبلداناً، فقل إذا شئت:

لم يسلم من لسانه أحد. أما نقده الأدبي، ففي الفارياق، وكشف المخبا، وسلوان الشجي، وفصوله المجموعة سبعة أجزاء كثير منه. انتقد أساليب الكتاب و الشعراء وتفكيرهم وتعبيرهم، فكأنه أقام نفسه معلماً أو مدعياً عاماً في محكمة الأدب.

وقد اطلعت على رسالة بخطه نقد فيها كتاب أخيه طنوس. كتاب أخبار الأعيان في جبل لبنان فما حاباه ولا تغاضى عن هفواته ونعى عليه تذبذبه.

أذكر أنني قرأت كلمة لأمين الريحاني نقد بها ((غطارفة البيان)) كما سماهم، وإذا بي أجدها بمعناها في الفارياق، لست أعني أن الريحاني ناقل، بل قلت هذا لأدلك عل رجل نظر أمس كما ننظر نحن اليوم، إلى هؤلاء الفحول المقلدين، وما ننكره نحن الآن عليهم أنكره هو قبلنا في الفارياق، وكشف المخبا، وأشبعهم سخراً وهزءاً. ولكن أولئك كهؤلاء لا يردعهم شيء حتى الصفع فخصلة البدن لا يغيرها إلا الكفن، ولو كان ربنا يسمع شعراً لنظموا له عقوداً زبرجدية يعلقها في شماريخ عرشه.

ولو قرأت ما كتبه في الواسطة عن الزانية التي تضع صورة العذراء بالمقلوب حين تفحش، لتذكرت، إن كنت قرأت ((البعث))، وصف هذه الحالة الذي كتبه فيلسوف الروس العظيم، وأدركت أنه لم يفت أديبنا العظيم فسبق إليه.

والأستاذ جريء على استعمال القياس، فحلحل مكابس اللغويين. لقد جمع ونسب كما قرر مجمع مصر الملكي، وهو في عمله هذا واثق من نفسه، يؤدي العبارة على حقها ولا احتكاك عنده، فكأنه يقطع من مقلع.

والخلاصة أن الفرق بين أحمد ومعاصريه كالفرق بين رافائيل وبين من ينقلون صوره عن معجم لاروس وغيره.

المتهكم الساخر:

تقرأ في الفارياق (الساق على الساق ج1، ص 53، 66) نقدأً لاذعاً وتهكماً ساخراً بمؤلفي النحو ومعلميه، وحركات الإعراب، وتمسك النحاة بها، حتى يعبر عن مشاكل النحاة وعراقيلهم التي لا تنتهي بقوله صرت أعتقد بخلود النفس لأن مبهمات النحو الخالدة!! أليس هذا ما يعالجه اليوم معلمو زماننا حاسبين أنهم اخترعوا البارود. وكذلك فعل بعلم البيان و البديع، فمضى يسخر من أنواع الاستعارة، وظل يفعل حتى شبع، وأخيراً شبهها بأشكال الدرج فقال: ومنها القرقي و اللولبي و الحلزوني، إلخ. حتى قال في علل النحاة: ومات الأصمعي وفي عنقه من رسم الهمزة غدة. ثم يهزأ بتمسك بعض البيانيين بالحروف فيقولون: (الواو) هنا أفصح من (الفاء) و (أو) أفصح من (أم) وهلم جراً. ويهاجم الساجعين المنمقين الذين يتلاهون عن الحقيقة باستعارة أو كناية أو تصور غريب، فيقول كلمة عن المؤبنين:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير