تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

((المصاب ينتحب ويولول، والمؤلف يسجع ويجنس، ويرصع ويروي، ويستطرد ويلتفت، ويتناول المعاني البديعة، فيمد يده تارة إلى الشمس، وتارة إلى النجوم، ويحاول إنزالها من أوج سمائها إلى السافل)). ويقول في مكان آخر: ((نقضي ساعة تامة في شرح جملة غير تامة)). ثم يقول: أكثر الكتاب يتهوسون في إهداء السلام والتحيات للمخاطب، كأنهم مهدون إليه عرش بلقيس. وكقوله للطبيب الذي عالجه علاجاً عنيفاً: أنا صاحب جثتي أفلا تشاورني! وكقوله عن الإنجليزية التي دعاه زوجها إلى العشاء عنده، وهرب من وجهه ولم يعشه: تسار بناتها كأنما نزل بهن نكبة البرامكة. ولست أذكر لك شيئاً عن تهكمه بفئة معلومة من الناس، فاقرأه أنت في محله.

إن المتمشرق الذي قال للأستاذ زكي مبارك في النثر الفني: الأدب العربي رواسم - كليشيهات – مصيب جداً، ولكنه بلا شك لم يقرأ الشدياق ليعلم أن فينا من خرج من الصيرة.ولو عرف صاحب لسان العرب أن الدهر سيلد لنا واحداً كالشدياق لما تجرأ أن يقول لنا: خذوا لغتكم من أعجمي فقد كشف الفارياق عورة هؤلاء العجم وفضحهم.

وقصارى القول كان المعلم جاحظياً نواسياً في فارياقه، بطوطياً في واسطته وكشف مخباه، متنبئياً في مدحه، خليلياً في لغوياته ونحوه: وقد صدقت الإجبسيان غازت حين قالت: إذا وضعت الكتبة الإنجليزية سكيت وأمرسون وواردزورت ووايلكلف وبلويز في شخصية واحدة يمكنك حينئذ أن تتصور عظمة هذا الرجل. ولو ولد الشدياق في أوربا لدفن مع نخبة العظماء، ولنصبت له التماثيل في مدن بلاده.

إن أحمد فارس ضخم مختوم كقبره، يمر به الناس ولا يعرفونه، وهو العارف بكل شيء، وهو مثال العربي المثقف الكامل في القرن التاسع عشر. لا تقرأ كتبه من عنوانها، فالجديد يقفز من بين سطورها قفز الأطلاء من دار خولة بالرقمتين. إن أحمد فارس كجبال لبنان، في كل قرنة معنى خاص، وفي كل واد صورة جديدة، فعليك به كله، فهو للقديم متجر، وللجديد مكسب.

الأديب المترجم:

استعانت به جمعية التوراة فوقف على ترجمتها التي أعجبت العلامة المطران يوسف الدبس، أما الشدياق فكان غير راض عن هذه الترجمة، لأنه يكره الركاكة التي نعت بها رجال الدين في فارياقه.

وها نحن نفسح له المجال ليدافع عن نفسه، ويلقي التبعة على الدكتور ((لي)):

وفي مثل قولنا ((ضرب لهم مثلاً)) كان يبدل ضرب بقال، لأنه كان يترجم في عقله لفظ ضرب إلى لغته فلا يجد لها معنى سوى إيصال الألم. وكان يبدل ((علم اعتقادهم)) برأي اعتقادهم، ويزعم أنها أبلغ في المعنى، وأن الاعتقاد ليس بمرادف للإيمان، فإنه إنما ينظر إلى أصل اشتقاقه وهو العقد، وهو غير مفيد معنى الإيمان. وكان يبدل ((ماء البحر)) بمياه البحر، وهذا لا محظور منه إلا أن تبديله هوس .. وكان يزعم أن لفظة ((المعجزات)) ليست من كلام النصارى حتى وجدناها في نسخة رومية. ومن أشد وساوسه تجنبه السجع و التركيب الفصيح غاية ما أمكن، حتى إنه زعم أن ما في الترجمة من قوله:

((خرجتم إليَّ بعصي كلص)) سجع، وحاول تغييرها فلم يقدر فتركها وهو آسف. وكذا وهمه في: ((نلت خيراتك في حياتك)) فكان يقول: هو من السجع الذي يجب مجانبته في كلام الله تعالى. وكان كلما رأى كلمة أو جملة تنتهي بواو ونون أو ياء ونون يقول إنها مضاهية لكلام القرآن، فيبدلها، حتى إنه رأى هذه الجملة وهي ((وأنتم على ذلك شهود)) فقال: إن هذا الموقف يشبه وقف القرآن، فمن ثمّ يبدلّها بقوله: وأنتم شهود على هذا.

ووجد عبارة أرى وهي ((وما أولئك بعابرين من هناك إلينا)) فقال: هذا التركيب فصيح! فبدل عابرين بيعبرون. ولم أتعجب من تغييره، وإنما تعجب من أنه شعر بحسن هذا التركيب .. (كشف المخبا ص 123 - 412).

لابروير العرب:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير