تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قولهُ متمدحاً وما أحسن ما قلتهُ هنا في سر الليال من أن الأب هو من معنى القصد كأنهُ سر لم يكاشف بهِ غيرهُ فقد خالفهُ فيه أو نبههُ إليه ابن فارس فإنهُ جعل أصل الأبّ الاستعداد كما نقلهُ عنهُ صاحب المصباح. وأما باقي كلامه فهو تطويل بلا طائل. فكأنهُ يظن أن كثرة الكلام ترخص البضاعة، كما يقال إلى أن يقول: ((فالمفهوم من اصطلاح القاموس))، إلخ. فإن عبارة القطر لا يفهم منها أن لأبَّ بمعنى قصد مصدراً غير الأبّ ولا أن مضارعهُ غير مضموم لأن عبارة القطر و القاموس هنا واحدة. وإذ كان القطر قد نص على جواز الفتح و الكسر في الأبابة لم تكن حاجة إلى إعادة ذلك. وما لاحظناهُ من كتاب سرّ الليال وغيره يبان أن معرفتهُ في اصطلاح القاموس هي أقصر جداً مما يدَّعي. فمما تقدم يظهر جلياً أن محرر الجوائب متعنت متمحّل مفتِئت وأن سهمهُ قد سقط دون الغرض. ويعلم القوم من هو الذي حشر نفسهُ بين المؤلفين. فإذا كانت هذه براعة الاستهلال عند محرر الجوائب فليت شعري ماذا يكون حسن الختام.ولله

قول الشاعر:

وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفتهُ من الفهم السقيم

وقبل أن نختم الكلام نلتمس إلى حضرتهِ أن يضع قاعدة المخطئين، كما وضع ذلك للناقلين، وهي: أن لا يتعرضوا لتخطئة غيرهم ما لم يكونوا هم موقنين بأنهم كفوءٌ لذلك، وأن لا ينددوا بالمؤلفين وكتبهم ما لم يكونوا هم وكتبهم خالين ممَّ يسوّغ لغيرهم أن ينددوا بهم، وأن يفعلوا ذلك بخلوص النية وقصد الإفادة و الاستفادة لا على وجه المكابرة و الانتقام و النكاءة، وأن يتجنبوا السفاهة في ذلك فإنها ليست من الخير في شيء ولا تقوم مقام الدليل. وهو أعظم الجهل أن لا يقر الإنسان بجهلهِ وأن يدعي العصمة لنفسهِ ولا يسلم بصحة شيء مما لغيره، وأن يرى عيوب غيره ويغفل عن عيوبه، وهو من أصعب الأمور أن يعرف الإنسان نفسهُ، فنرى لهُ لأن يقلع عن السفاهة عالماً بأن كل إنسان يقدر عليها إذا شاء ولا سيما من كان عندهُ تأليفهُ المسمى بالفارياق (وهي كلمة منحوتة أي مقتطعةٍ من اسمه ولقبهِ أي فارس الشدياق) فإنهُ قد جمع فيهِ كل أنواع السفاهة وبوَّب لها أبواباً حتى إذا مست الحاجة يطلب في تأليفهِ المذكور الباب الذي يوافق المقام فيجد هناك مطلوبهُ صبرةً واحدة فيتلخص من كلفة التفتيش عليهِ في كتب اللغة فيرشق بهِ من أراد عندما يملأُ الحقد و الحسد قلبهُ و الحدة دماغهُ. فتبّاً لهُ من تأليف وسقياً لصاحبهِ من مؤلف. ولكن لا ينتفع بذلك من الكتَّاب غيرهُ بالنظر إليهِ فإنهُ إذا شاءَ مدحهُ يراهُ قد مدح نفسهُ قبلهُ وإذا حاول هجاءَهُ يراهُ قد هجا نفسهُ، وأي هجاء، فيضيق بهِ المجال ويا ليت صاحبنا المذكور يراعي سنَّهُ ومبادئ الأدب وخير الوطن. ويعلم أن الفضل لا يسلم لأحد، وأن فوق كل ذي علم عليماً، ويرعوي عن غيّهِ وريائهِ ودعاويهِ ويرجع إلى رضى ربهِ ويتذكر أن الحياة قصيرة وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ويقضي بقية عمره بالتوبة و التقرب إلى الله و التكفير عن سيئاته عالماً بأن شمس حياته قد قاربت الغروب، وبأن الدنيا لا تغني عن الآخرة. ونسأل الله أن يهدينا وإياهُ وكل من أمسك القلم إلى سواءِ السبيل فهو على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وأما ما رشقنا بهِ شخصياً من سهام العدوان فنترك الحكم فيهِ لعدالة الجمهور و الله مع الصابرين.

ثم بعد أن فرغنا من تبييض ما تقدم إذا بالعدد 567 من الجوائب قد أقبل وعلى عاتقهِ جعبة أخرى مملؤة من سهام التغليط، ويا لها من سهام، قد أُخذت من شجرة قديمة العهد ولم يحسن بريها ولا تثقيفها فكأنها لم تكن أو كانت لكي تظهر براعة باريها وأخلاق مثقفها وتبين للخاص و العام تهذيبهُ وغور معرفتهِ في اللغة العربية وقواعدها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير