وأظهر منه ضعف تبليغ الإسلام إلى البشرية، ففي الوقت الذي يحتدم الجدل والتمحك بيننا في مسائل ما كانت لتبلغ ما بلغت لولا أننا ألححنا عليها وأكثرنا من الدوران حولها، في الوقت نفسه يظل أربعة من كل خمسة في الأرض كلها من غير المسلمين، وممن لم تبلغهم رسالة الإسلام غالباً.
ونحن نرى أن هذه وتلك هي المعارك الجادة التي يجب أن نتأهل لها، أما العراك مع إخواننا فنؤثر طيه وتجاوزه، وقبول العذر، وإحسان الظن، ونؤثر لكل شاب يُجر إلى مثل هذه المنازلات ألا ينجر إليها بحال، وأن يؤثر العفو والصفح والتسامح، وعدم أخذ الأمر بالشدة، وللإخوة الذين يقولون إنهم يدافعون عن بعض الدعاة أو يحمون أعراضهم أقول: أحسنتم وأجملتم، ولكن كان أولى بكم أن تنشغلوا بما هو أهم من ذلك من الدفاع عن الإسلام والعقيدة، وتصحيح أحوال المسلمين، أو دعوة غير المسلمين أو بناء الدنيا أو بناء الدين.
إنه قد لا يضير إنساناً أن يموت موحداً، ولكنه يسيء الظن بي عن اجتهاد، أو عن تقليد لمن ظهر له صلاحه، ولكنه يضيره أن يموت جاهلاً بالله أو بدينه وشريعته، أو بكتابه، أو برسله.
وإذ نحن مسلّمون بمحدودية الجهد الذي نبذله فلم لا نختار له أهم المواقع وأنفعها؟
http://www.islamtoday.net/salman/artshow-28-659.htm
بيني وبين ابن جبرين (2/ 2)
فضيلة الشيخ / سلمان بن فهد العودة
الاحد 08 رجب 1423الموافق 15 سبتمبر 2002
المسألة الأخرى التي وردت في سؤال السائل الغيور وفقه الله هي أنني أقول بالتفريق بين (الفرقة الناجية) و (الطائفة المنصورة) وأنني أزعم أن ابن باز رحمه الله وافقني على ذلك، ولكن الشيخ نفاه، وقال بأنهما واحد.
وبحث هذه المسألة لا بأس به، فهي من المسائل العلمية التي لا يخلو تأملها من فائدة، ولكنها ليست من المسائل الكبار، بل هي من جنس بحث العلماء في التوفيق بين الأحاديث، كما صنع الطحاوي وابن قتيبة وابن حجر وابن تيمية والنووي وغيرهم، ومن جنس بحث المفسرين في دلالات الألفاظ القرآنية وتطابقها أو تفاوتها، فإن أفراد هذه المسائل قد يعرض للناظر فيها بعض التردد، أو الخطأ غير المقصود، وهذا مرفوع حرجه عن الأمة، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، والقائل فيه باجتهاد بين أجر وأجرين.
وقد تكلم أهل العلم فيما هو أولى بالنظر من ذلك كمسألة الفرق بين الإسلام والإيمان، فمنهم من قال هذا هذا، ومنهم من حمل كلاً على معنى، ومنهم من فرق في حال دون حال، وبكل قال أئمة ذوو قدر واعتبار، ولا تعنيف على أحد منهم فيما ذهب إليه؛ لأن المسألة علمية لها دقة وخصوص، وقد بسط القول فيها ابن تيمية في كتاب الإيمان.
ومثله كلام المفسرين حول المقتصد والظالم لنفسه والسابق بالخيرات.
وما أبديته في بحثي المطبوع ضمن (رسائل الغرباء) هو نوع من التفسير للنص، وهو عندي صواب يحتمل الخطأ، وعند الأخ السائل خطأ لعله يحتمل الصواب إن شاء الله، إذ لا قطعية في هذه المسألة، وليست من معاقد الإجماع، بل هي من موارد الظنون.
وكأن بعض الناس أطلق أنني أقول: هذه غير تلك، ولم يفصح عن المعنى، والحق أنني أذهب إلى العموم والخصوص، وأزعم أن الطائفة المنصورة هي بعض الفرقة الناجية، فالفرقة أعم، والطائفة أخص، والنجاة حاصلة لكثير من المسلمين، ولو كانوا غير منصورين، فالصحابة الذين اختلفوا وتنازعوا كلهم ناجون، ومنهم المنصور ومنهم غير المنصور، ويحسن مراجعة كلام ابن تيمية في هذا المعنى في الفتاوى (4/ 443 – 450، 467 – 470).
وهذا المعنى ثابت في الكتاب المنزل في قوله عز وجل: " وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " [التوبة: 122].
فجعل الطائفة جزءاً من الفرقة وأخص منها، وهذا معروف لغة أن الطائفة أقل، حتى يقال: طائفة الثوب، وطائفة النخل، وقد يسمى الواحد طائفة كما في آية النور عند بعض المفسرين "وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " [النور:2].
وساعد على هذا القول أن اللفظين مختلفان في دلالتهما وفي وصفهما، فهذه فرقة، وتلك طائفة، وهذه ناجية، وتلك منصورة، واختلاف المبنى يدل على تفاوت في المعنى، وكان هذا هو الأصل، والله أعلم.
¥