وأما قوله في مسألة القرآن فالكلام فيها في فصلين أحدهما في الصوت الذي بدأ بإنكاره
فنقول ثبت أن موسى سمع كلام الله تبارك وتعالى منه بغير واسطة
فإنه لو سمعه من شجرة أو حجر أو ملك لكان بنو إسرائيل أفضل منه في ذلك لأنهم سمعوه من موسى نبي الله وهو أفضل من الشجرة والحجر
فلم سمي موسى إذا كليم الرحمن ولم قال الله تعالى يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي وقال تعالى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك ولا يقول له هذا إلا الله تعالى
وإذا ثبت هذا فالصوت ما سمع وما يتأتى سماعه
وقد جاء ذكر الصوت مصرحا به في الأخبار الواردة
قال عبد الله بن الإمام أحمد قلت لأبي يا أبه إن الجهمية يزعمون أن الله تعالى لا يتكلم بصوت؟ فقال: كذبوا إنما يدورون على التعطيل
ثم قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سليمان بن مهران الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء
قال السجزي: وما في رواة هذا الحديث إلا إمام مقبول وقد روي مرفوعا إلى رسول الله
وفي حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه أن الله تعالى يناديهم يوم القيامه بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان وهو حديث مشهور ا. هـ
ثم قال:
" ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف، فإن الصوت أبدا يوصف بالسماع
فتعلق السماع بالصوت كتعلق الرؤية بالمرئيات ثم ثبت بالخبر الصحيح إضافة الصوت إلى الله تبارك وتعالى
والنبي أعلم بالله تبارك وتعالى وأصدق من المتكلمين الذين لا علم لهم ولا دين ولا دينا ولا آخرة، وإنما هم شر الخليقة الغالب عليهم الزندقة، وقد ألقى الله تعالى مقتهم في قلوب عباده وبغضهم إليهم
ثم لو ثبت أن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام فلم يكون كذلك في صفات الله سبحانه وتعالى " ا. هـ
فانظر إلى هذا الإمام وقد أثبت الصوت بمعناه المعروف كما هو صريح قوله:
" ثم نقول بل الصوت هو ما يتأتى سماعه، وهذا هو الحد الصحيح الذي يشهد له العرف "
فجعل للصوت المثبت حدا معروفا ويريد معنى معينا، لا الحد الذي هو بمعنى الكيف
وهذا ما لا يصدر من مفوض
ولابن قدامة ورع في هذا الباب ونظرة يظن من لمسها عنه أنها تدل على تفويض
وفي مراجعة لاحقة سأفصل في موقفه بعض التفصيل فقد ضاق بي الوقت وأنا الآن على سفر
ـ حسّان السنّة في وقته الإمام يحيى بن يوسف الصرصري الأنصاري ت656 هـ
قال عنه ابن القيم:
" المتفق على قبوله، والذي سار شعره مسيرة الشمس في الآفاق، واتفق على قبوله الخاصُّ والعامُّ أيّ اتفاق، ولم يزل ينشد في المجامع العظام ولا ينكر عليه أحد من أهل الإسلام "
قال يحيى بن يوسف الأنصاري الصرصري ت656 هـ
" ومذهبُه في الاستواء كمالكٍ ... وكالسلف الأبرار أهل التفضلِ
ومستوياً بالذات من فوق عرشه ولا تقل استولى، فمَن قال يبطلِ
فذلك زنديقٌ يقابل قسوة لذي خطْلٍ راوي لعيب معطلِ
نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش ص (316)
ـ العلامة ابن قيم الجوزية
قال ابن القيم في المدارج:
" فصل قال صاحب المنازل:
الدرجة الثانية: إجراء الخبر على ظاهره وهو أن تبقى أعلام توحيد العامة الخبرية على ظواهرها ولا يتحمل البحث عنها تعسفا ولا يتكلف لها تأويلا ولا يتجاوز ظواهرها ...
قال العلامة ابن القيم:
يشير الشيخ رحمه الله وقدس روحه بذلك إلى أن حفظ حرمة نصوص الأسماء والصفات بإجراء أخبارها على ظواهرها وهو اعتقاد مفهومها المتبادر إلى أذهان العامة ولا يعني بالعامة الجهال بل عامة الأمة كما قال مالك رحمه الله وقد سئل عن قوله تعالى الرحمن على العرش استوى طه: 5 كيف استوى
فأطرق مالك حتى علاه الرحضاء ثم قال: الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
ففرق بين المعنى المعلوم من هذه اللفظة وبين الكيف الذي لا يعقله البشر وهذا الجواب من مالك رضي الله عنه شاف عام في جميع مسائل الصفات
فمن سأل عن قوله: إنني معكما أسمع وأرى طه: 46 كيف يسمع ويرى أجيب بهذا الجواب بعينه فقيل له: السمع والبصر معلوم والكيف غير معقول
¥