وهناك ملاحظة أن القدامي في وضعهم لهذا النظام الصوتي،قد خلطوا بين الوزن والموسيقى من ناحية،وأكدوا ثبات النظام الموسيقي في صورته التي استخلصها الخليل أبن أحمد من ناحية أخرى؛و بالتالى ابتعدت كلمات (الموسيقى – الإيقاع) و ترددت كلمات (الوزن – القافية).
كما أن هناك ملاحظة أخرى و هى أن المحدثين قد اتخذوا من عيوب " علم العروض" وقصور مقاييسه عن الكشف عن أسرار الشعر الموسيقية،عيوباً للنظام الموسيقي للشعر القديم نفسه، في أقوال كثيرة ومتنوعة. (11)
ووفق هذا المنظور تصبح مسألة الوزن والقافية،مسألة تاريخية ومسألة ترتبط بجانب محدود من الإبداع الشعري،لا بشموليته أو به كرؤيا كلية. إذن من البداهة والصحة،القول إن بإمكان اللسان العربي أن يتجسد شعراً في بنية كلامية غير بنية الوزن والقافية،أو إلى جانبها؛"وهذا مما يوسع في الممارسة،حدود الشعر في اللسان العربي،وحدود الحساسية الشعرية،وحدود الشعرية " (12)
والواقع أن الوزن في الشعر لا يمس الشكلية فحسب،ولكنه يمس كذلك جوهره ويرتبط بمضمونه،كما يرتبط بشكله.
وفي رأي الدكتور "محمد النويهي " إن القصائد الجيدة يجب أن يحكم عليها بمقاييس شكلية جديدة تستمد من القصائد نفسها،وتراعي ما يستهدفه منشئها " (13)
وقد تردد مفهوم الإيقاع عند بعض النقاد القدامى مرادفاً للوزن فنجد السجلماسي يتحدث بإيجاز أكثر عن الإيقاع من خلال تعريفه للشعر الذي يقول: " الشعر هو الكلام المخيل المؤلف من أقوال موزونة متساوية وعند العرب مقفاة،فمعنى كونها موزونة أن يكون لها عدد إيقاعي " (14)
ويورد ابن طباطبا تعريفاً للشعر أشمل من تعريف السجلماسي " وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه ويرد عليه من حسن تركيبه واعتدال أجزائه، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحة المعنى وعذوبة اللفظ وصفا مسموعه ومعقوله من الكدر تم قبوله له واشتماله عليه، و إن نقص جزء من أجزائه التى يعمل بها، و هى اعتدال الوزن و صواب المعنى و حسن الألفاظ كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه " (15)
فتعريف ابن طبا طبا يربط الإيقاع بحسن التركيب و اعتدال الأجزاء، و مع ذلك فإن التعريفين السابقين يعودان معاً بالإيقاع إلى الوزن و منه إلى الشعر و لذلك كان النظر إلى الإيقاع فى الشكل التقليدى من وجهة نظر (مصطفى جمال الدين) هو مجموعة من المقاطع الصوتية فى كل بيت؛ أى أن القصيدة تتآلف من أبيات يحتوى كل بيت منها على مجموعة من القاطع هى نفس مقاطع الأبيات الأخرى فى العدد و الترتيب، أما الإيقاع فى الشكل الجديد فإن الإيقاع فيه يقوم على " المجموعة الصوتية لكل تفعيلة؛ أى أن القصيدة تتألف من أشطر مختلفة الطول تتكرر فيها تفعيلة واحدة متشابهة من أول القصيدة إلى آخرها " (16)
و على هذا المقياس يستخدم الإيقاع فى الشكل الجديد من حيث مدلوله العروضى، لا من حيث شموليته، و من هنا فقد اهتم الشعر بالوزن دون الإيقاع؛ و ساعد على ذلك أن طبيعة اللغة العربية ذاتها ساعدت على ذلك الفهم، فالأساس فى البناء الموسيقى للكلمة على المقاطع دون الالتفات الى الصفات الخاصة التى تميز الحركات بعضها عن بعض.
و الحقيقة أن ثمة فوارق جوهرية ينبغى أن نلاحظها عندما نفرق بين الوزن و الإيقاع، و لا تتأتى لهذه الدراسة أن تدعى لنفسها صحة الفروض، أو أنها استطاعت أن تحدد الفروق بشكل حاسم؛ لكنها محاولة للتريق بين هذه المصطلحات المتقاربة، و مع ذلك فإننا نيز الإيقاع عن الوزن من ناحيتين: الأولىأن الظاهرة الصوتية لايشترط فبهاأن تكون مقاطع كما في الوزن 0
والأخرى أن طبيعة التوالى فى الإيقاع تنطوى على قدر من حرية الحركة لا يتوافر فى الوزن.
فالإيقاع عام و الوزن جزء من هذا الإيقاع، و الخصائص الموضوعية للإيقاع الشعرى " الوحدة و التتابع فى متوالية متناغمة سواء من الناحية اللفظية أو المعنوية " (17)
¥