تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الإيقاع ليس مجرد الوزن الخليلى أو غيره من الأوزان بل هو لغة ثانية لا تدركها الأذن وحدها بل الحواس، فالإيقاع هو الوعى الغائب / الحاضر و له علاقة ثنائية بالأجواء الشعرية فهو يستحضرها و يبثها، إ نه النظام الذى يتناوب بموجبه مؤثر ما (صوتى أو شكلى) أو جو ما (فكرى أو روحى)، (حسى أو سحرى) و هو كذلك صيغة لعلاقات (التناغم، التعارض، التوازى، التداخل) فهو – إذن – نظام أمواج صوتية و معنوية و شكلية، ذلك أن للصورة إيقاعها كما للقصيدة – بصفة عامة ايقاعها " فإن القيمة الجوهرية لمفهوم الإيقاع أنه ليس ملزما على نحو أقنومى، بل هو عنصر دلالى بالغ الإتساع، بحيث يمنح الشاعر أكبر مساحة ممكنة من الحركة و الفعل الشعريين غير متقيد بكيان شكلى معد سلفا ". (18)

الإيقاع أوسع من العروض و مشتمل عليه، و خطأ العروضيين التقليديين من عرب و غيرهم هو عدم ادراكهم لاتساع الإيقاع و خصيصته فى أن، فللشاعر الحرية فى ايجاد إيقاعه الخاص، و هذا ما يميز المفهوم الحديث فى الشعر عن المفهوم القديم الذى كان يصر على نوع معين من قواعد الوزن فهو يميز المفهوم القديم و الحديث للشاعر.

و نشير أننا حاولنا أن نميز فى السطور السابقة بين الإيقاع و المصطلحات القريبة منه، لكن ما يهمنا هو البحث عن جذور هذا المصطلح و مدلولاته " قتشتق كلمة الإيقاع Rhythm فى اللغات الأوروبية من لفظ Rhuthmos اليونانى، و هو بدوره مشتق من الفعل Rheein بمعنى يناسب أو يتدفق " (19)

و فى اللغة العربية يرجع أن لفظ الإيقاع مشتق من التوقيع، و هو نوع من المشية السريعة، إذ يقال " وقع الرجل " أى مشى مسرعا مع رفع يديه. و من المعروف أن مشية الإنسان من أهم الأصول الحيوية التى يرجع إليهما الإيقاع، و الإيقاع لغويا يقصد به " اتفاق الأصوات و توقيعها فى الغناء " (20)

و الحق أن الإيقاع واحد من تلك الظواهر التى يصعب تعريفها لا لشىء إلا لكونها مألوفة، ولأن تأثيرها فيا ملموس بلا انقطاع

و يستخدم الإيقاع أساسا فى الموسيقى، باعتباره تنظيما للشق الزمنى منها فقيل إن الإيقاع مجموع لحظات الزمنية الموزعة وفقا لترتيب معين، و إن الإيقاع هو النظام فى توزيع مدد لزمان، و الزمان هو لب الإيقاع الموسيقى، بل إن الإيقاع الموسيقى ربما كان أقوى عناصر الفنون كلها تعبيرا عن الزمان، غير أن اٌيقاع فى الشعر لا يقف عند حدود هذا المعنى العام، و إنما يحقق علاقة قوية مع الإيقاع الموسيقى، و بهذا المعنى يصبح الإيقاع خاصية جوهرية مميزة للشعر، و ليس خارجاً أو مفروضاً عليه " و هذه الخاصية ناتجة فى الحقيقة عن طبيعة التجربة الشعرية ذاتها، تلك التجربة الرمزية التى تحتاج الى وسائل حسية لتجسيدها و توصيلها، و من هذه الوسائل الإيقاع " (21)

و يرتبط الإيقاع بالمعنى ارتباطا حيويا؛ لأن الكلمات التى يبتدعها المعنى لا تنفصل عن أصولها الصوتية، و لهذه قال بوب: " إن الجرس يجب أن يكون صدى للمعنى ". (22)

إن لغة الشعر تنظيم اللغة العادية على المستوى الصوتى للغة و الصرفى و النحوى و الدلالى. و لقد ربط سيد البحراوى بين مفهوم " إعادة التنظيم " و بين " الإيقاع " على أساس أن اعادة تنظيم العناصر الصوتية فى القصيدة يخلق تكرارا منتظما لها فى الزمن؛ أى أنه يخلق نظاما صوتيا (الإيقاع) فهو مكون من العناصر الثلاثة (الصوتى و الصرفى و النحوى) و التى لا تستحق أن تعتبر عناصر إيقاعية الا إذا توفرت فيها النظامية و من ثم يمكن اعتبارها أنظمة فرعية للنظام الأكبر (الإيقاع).

و لما كان الإيقاع الشعرى واحدا من مكونات النص الدلالية فقد اتسم هو أيضاً بالسمة التى أفردت شعر الحداثة مما سواه من شعر؛ فصار إيقاعا غامضا لا يتميز بذاته و إنما يندمج بنائيا فى البنية النصية الكبرى حاملا نصيبه من دلالتها، و من ثم أصبحت القصيدة قانون نفسها؛ و لذلك فهى تخلق قانونها الموسيقى الخاص و النابع من حركتها الداخلية و ضراوتها البنائية و عليه صار الإيقاع إشكاليا إلى حد بعيد فى شعر الحداثة فهو يتولد عن أرضية لم يعد فيها الوزن المحك الرئيسى لشعرية القصيدة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير