تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بل ويستطيع الدارس أن يكشف الجوانب النفسية والشعورية والاجتماعية التي أنتجت النص،وذلك من خلال المستوى الدلالي الذي يشكله التنوع الصوتي في النص الشعري؛ولذ فإن النظام الإيقاعي للبنية اللفظية في العربية"يتميز إلى جانب التناظر أو التناسب الصوتي بين الصوامت والحركات وطول المقاطع بالعلاقة التبادلية بين الصيغة أوالبنية الإيقاعية والدلالة " (30)

ولايقف التنا سب الصوتي عند المقاطع لكنه يمتد إلى الجناس أو الجرس الصوتي وإلى الأوزان الشعرية والاتباع والازدواج،وكلها في تشكيل المعنى وتوسيعه وتوسيع دلالة النص الأدبي ويظهر بوضوح عندما يعمد الشعراء إلى استغلال إمكانيات الأصوات وقدرتها على الإيحاء بالمعنى ومحاكاته. والإيقاع ليس إشارة بسيطة،بلهو نظام إشاري مركب ومعقد من مفردات عديدة،ويبدو الإيقاع أمام القارىء شيئا ماديا محسوسا يعلن له أن الذي أمامه قصيدة من الشعر،وأن-الإيقاع-هو الذي نظم هذا الفيض من الأصوات والمعا ني،وأنه يستطيع" أن يعطيه معنىمختلفا عن المعنى الذي يلقاه في النثر؛ معنى أ كثر كثافة وأكثر عمقا وأكثر إمتاعا وأكثر كشفا عن الأعماق البعيدة للإنسان " (31)

وقد اتسع مفهوم الإيقاع عند الشكلانيين الروس ليشمل سلسلة من العناصر اللسانية التي تسهم في بناء البيت الشعري:فإلى جانب الإيقاع الذي ينتج عن المد في الكلمات، يظهر الإيقاع الذي يأتي من نبرات الجمل بالإضافة إلى الإيقاع الهارموني (الجناسات) إلخ

وهكذا يغدو مفهوم الشعر ذاته مفهوم خطاب نوعي تسهم كل عناصره في خاصيته الشعرية ويصبح من الخطأالقول بأن هذا الخطاب لا يقوم سوى بالتلاؤم مع شكل وزني عن طريق مقاومته ويخلق انزياحات ECARTS إيقاعية.

والخطاب الشعري هو خطاب منظم فيما يتعلق بأثره الصوتي،لكن بما أن الأثر الصوتي هو ظاهرة معقدة فإن واحدا من عناصره فقط يتعرض للتقنين "هكذا فإن العنصر المقنن في العروض الكلاسيكي يتمثل في المدات ACCENTS التي أخضعها ذلك العروض بالتسلسل وقاسها بقوانينه لكن يكفي أن تتعرض سلطة الأشكال التقليدية ببعض الاهتزاز لكي تظهر بإلحاح هذه الفكرة وإن جوهر الشعر لا يستهلك في ملامحه الأولى بل يعيش كذلك بواسطة الملامح الثانوية لأثره الصوتي فإلى جوار الوزن هناك الإيقاع الذي هو كذلك قابل للمعاينة وأنه يمكن كتابة أشعار لاتلتزم إلا هذه الملامح الثانوية فالخطاب يمكن أن يبقى شعريا حتى مع عدم المحافظة على الوزن " (32)

إن الأنساق الإيقاعية تسهم بدرجات مختلفة في خلق الانطباع الجمالي،فهذا النسق أو ذاك يمكن أن يهيمن في أعمال مختلفة وهذه الوسيلة أو تلك يمكن أن تسند إليها مهمة (الظاهرة المهيمنة)؛ولذا فإن الاتجاه نحو نسق إيقاعي معين هو الذي حدد الصفة الملموسة للعمل الشعري، فالقصائد الجيدة هي تلك القصائد التي تحمل إعلاما شعريا،وتكون كل العناصر فيها متوقعة وغير متوقعة في آن.

وكما يقول (جروس) "إن وظيفة العروض أن يخيل العملية الإنسانية في حركتها في الزمن على نحو غني ومعقد "بل إن (أرنولد ستاين) يذهب إلى أن البناء الوزني "لا يشبه الاستعارة فحسب،بل إنه مفتاح الاستعارة" (33)

فالشكلانيون الروس ينظرون إلى الإيقاع مثل الصور images يقصدبه الكشف عن النمط التحتي للحقيقة العليا؛أي غور المعنى الكامل،وعلى هذا فإن الإيقاع يشير إلى عدد من الدلالات السطحية والعميقة في القصيدة،إنه قد يبدو صدى لمعنى القصيدة،وقد يؤكد المعنى ويطرح معاني وتفسيرات وظلالاللمعنى ويمكن استخدامه لإثارة المعنى وللإيحاء بالصراع داخل بنية القصيدة،فهو أداة للكشف داخل بنية القصيدة، وهم يعدون الإيقاع الموسيقي أقوى عناصر الجمال في الشعر،فالمتلقي غير العربي يطرب للشعر العربي في جرسه وإيقاعه؛ وهذا معناه أن الموسيقى (الإيقاع) عنصر جوهري في تشكيل النص الشعري يقوم بوظيفة جمالية مع غيره من عناصر تشكيل النص الشعري،فهو يكمل بقية العناصر ويؤازرها في الوقت نفسه إذن الموسيقى ولاسيما الموسيقى الناضجة المثقفة"لاتقوم على التشابه والتكرار فقط،بل تقوم أيضا على المخالفة،إن الموسيقى التي تقوم على التشابه وحده هي موسيقى البدائيين أوالموسيقى غير الناضجة،ويستوي في ذلك فن الموسيقى المستقل أو موسيقى الشعر" (34)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير