تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالعلاقات داخل النص الشعرى عقلية حسية و لا تكفى الحواس لإدراكها، بل تحتاج كذلك إلى الفكر فالكلمات نفسها مبنية بناءا مزدوجا " إنها أصوات تعتبر رموزا للمعانى، و هى أيضا تعتبر أصواتا " (23)

و تنظيم هذه الأصوات بمعانيها بطريقة غير عادية هو ما يقدم لنا الشعر، و فى داخل النظام (الإيقاع) ليس هناك اتجاه ثابت بل أكثر من اتجاه، اتجاه يحفظ على أسس النظام و يدعمه، و اتجاه يثور على هذا التدعيم و يحطمه.

فجوهر النظام الشعرى هو الصراع بين عناصر الثبات و التغير؛ فهناك تأسيس لنمط ايقاعى ثم ثورة و انتهاك لهذا النمط.

فإيقاعية الشعر قد تعنى التكرر الدورى لعناصر مختلفة في ذاتها متشابهة في مواقعها ومواضعها من العمل بغية التسوية بين ما ليس متساويا،أوبهدف الكشف الوحدة من خلال التنوع،وقدتعني تكرار المتشابة بغية الكشف عن الحد الأدنى لهذا التشابه،أوحتى إبراز التنوع من خلال الوحدة.

والإيقاع في القصيدة هوالعنصر الذي يميز الشعر عما سواه فضلا عن أنه يتخلل البنية الإيقاعية للعمل، ولذا فإن العناصر اللغوية التي يتشكل منها ذلك العمل تحظى من تلك الطبيعة المميزة بما لاتحظى في الاستخدام العادي،وثمة أمر هام آخر وهو "أن البنية الشعرية لاتبدو في بساطة تلك الظلال الجديدة لدلالات الألفاظ،بل إنها تكشف الطبيعة الجدلية لهذه الدلالات،وتجلو خاصية التناقض الداخلي في ظواهر الحياة واللغة الأمر الذي تعجز وسائل اللغة العادية عن التعبير عنه" (24)

فالبنية الإيقاعية مجموعة من العلاقات المعقدة بين ما يثور على النظام وما يحافظ عليه،بل إن تحطيم النظام في حد ذاته نظام ولكن من نوع آخر.

والشعر العربي يجمع بين النسق والخروج على النسق،وهي سمة مشتركة في الشعر على مختلف أنواعه،بل لعل لها نظائر في غير الشعر من الفنون،فالفنون التعبيرية تحاكي الحياة الإنسانية، وهي ليست انتظاما خالصا،بل تجمع بين الانتظام والاضطراب.

فالخروج على النسق له وظائف في الشعر وفي غيره من الفنون، فهو يقاوم ذلك الخدر الناشىء من التكرار المنتظم "؛فيثير الانتباه واليقظة،ويدعم الجانب الفكري في مواجهة الجانب الحسي،ويجعل العمل الفني أقدر على التعبير " (25)

فالشعر العربي يجمع بوضوح النسق والخروج على النسق "فالقاعدة في الفن هو تحا شي الانتظام" (26)

والإيقاع في الفنون هو تأليف بين مجموعة من العنا صر يجمع بين النظام واللانظام ويقيم بين هذه العناصر علاقة،فإذا خلت العناصر من هذا الصراع؛فهي كذلك خالية من الإيقاع "فالوحدة في العمل الفني لا تعني التشابه بين كل أجزاء التصميم،بل يكون هتاك كثير من الاختلاف" (27)

فمعظم الفنون تتألف من ثابت ومتغير،فالملاحظ أن الإيقاع يتوقف على التكرار وتوقع التكرار، وهذا أمر أجمع عليه النقاد " فالنسيج الذي يتألف من التوقعات والإشباعات وخيبة الظن أو المفاجآت التي يولدها سياق المقاطع هو الإيقاع،ولا يبلغ تأثير صوت الكلمات أقصى قوته إلا من خلال الإيقاع،ومن الواضح أنه لا توجد مفاجآت أو خيبة ظن لو لم يوجد التوقع،وربما كانت معظم ضروب الإيقاع تتألف من عدد من المفاجآت ومشاعر التسويف وخيبة الظن،لا يقل عن عدد الإشباعات البسيطة المباشرة" (28)

والنظام الذي لا نجد فبه غير ما نتوقعه بالضبط دائما،بدلا من أن نجد فيه ما يطور استجابتنا هو نظام رتيب يبعث على الضيق،فالواجب في النظام أن يقوم على المفاجأة وإخلاف الظن،وريتشارد يورد تعريفين للإيقاع أحدهما يتفق مع النظرة النفسية وهو أن الإيقاع "اعتماد جزء على جزء داخل كل يستمد من التوقع والتنبؤ "

والتعريف الآخر أنه "التشكيل المتكرر أي مجموعة من المجموعة؛بحيث أن المجموعات المتعددة الداخلة في تكوينه تكون شبيهة الواحدة بالأخرى،وإن لم يكن هذا التشابه تاما بالضرورة وريتشارد يعتبر هذا المعنى واسعا جدا،ولكننا يجب أن نلاحظ "أنه هو المعنى الذي يبحث العروضيون عن مدلوله الخاص في التشكيلات المكونة من مقاطع لغوية" (29)

ويجب على دارس الإيقاع أن يكشف عن هذه الصراعات بين عناصر الثبات وعناصر الانتهاك،فالإيقاع هو حركة المعنى،وكلاهما وثيق الصلة،ولاكتشاف أحدهما ينبغي معرفة الآخر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير