ـ عندما بدأت أكتب الشعر قبل بضعة وعشرين عاما، كنت أنظر إلى الكتابة الشعرية على أنها تعبير صرف عن المشاعر فقط. وكلما تورطت في الشعر أكثر اكتشفت أبعاده الأخرى. أما الآن فقد أصبحت هذه الكتابة عملية انتقامية من التاريخ ومن التراث، ومن المجتمع الذي صنعني، من ذلك التاريخ والتراث عبر حضوري الاجتماعي في مكان ما من هذا العالم، من دون أن تكون لي يد في صناعة نفسي. وبالتالي، فالشعر هو عملية تحرير وتطهير وتنوير أيضا. بناء عليه، أعتقد أن الكتابة الشعرية بالنسبة لي هي إعادة تكوين للإنسان بعناصر أكثر شفافية ونقاء.
* دواوينك السبعة توشى بلغة تنوعت بين نزوات الجسد والرمزية، هل يعاني الشاعر أحيانا حالة من «التيه»؟
ـ أعتقد أن التيه من أهم المركبات المطلوبة لصناعة الشاعر، بينما الشعر هو مزاج في هيئة مجاز. الشعر هو الإنسان في أرقى حالاته الإنسانية على صعيد اللغة والمشاعر، وحتى السلوك. لا يمكن أن نعتقل الشاعر في مجال من مجالات الحياة، فهو مفتوح على جميع المجالات، وهو يأتي إلى أرض القصيدة من أرض الثقافات المتعددة حسب تعدد قراءاته وانعكاس هذا القراءات على حياته. وهذا ما يجعله يتنوع في كتاباته لتشمل الحياة على رحبها.
* المتابع لشعرك يقول إنك وقعت بين فكي كماشة الثقافة الصوفية، ولا تستطيع الانفكاك منها، حتى في قصيدتك «عنترة في الأسر» التي فازت بالجائزة الأولى للقصيدة عن مؤسسة «البابطين»؟
ـ لقد كتبت قصيدة «عنترة في الأسر» عام 1998، وكنت في ذلك الوقت مسكونا بالهاجس الصوفي، ومتورطا في قراءة الأشعار الصوفية، فانعكس ذلك كله، ليس فقط على هذا القصيدة، وإنما على مرحلة كاملة من كتاباتي تجلت في أكثر من ديوان شعر مثل «رقصة عرفانية».
* هل لا تزال مرتهنا لتلك المرحلة؟
ـ أعتقد أنني انتقلت إلى مرحلة أكثر ارتباطا بالواقعية منها بالصوفية، وتجلت في ديوان «نحيب الأبجدية». الكتابة الشعرية عادة ما تمر بعدة مراحل، وكل مرحلة تلعن أختها!
* أحيانا نلاحظ أن العبارة تشتط لديك حد الخرافة، كما في قصيدتك «في حضرة السيد الوجع» عندما تقول: «عد للمريدين الأوائل/ مثل معجزة بلون العشق/ إن العشق نبع المعجزات»، فأنت هنا تخلط بين القصيدة الحديثة والمعجزات القريبة من الشعر الصوفي؟
ـ عندما نتحدث عن الشعر الصوفي بالتحديد فلا يمكن لنا أن ننكر أنه كان يمثل انعطافة في الشعر العربي أشبه ما تكون بالكتابة الحديثة. وليس هناك شاعر من شعراء العصر الحديث لم يقرأ التجربة الصوفية قراءة واعية وصلت في كثير من الأحيان إلى حد التأثر. الشعراء الصوفيون كتبوا أشعارهم بفنية عالية وصدق كبير لأنها كانت تمثل معتقداتهم، ولا يمكن للإنسان أن يكون أكثر صدقا في شيء أكثر من معتقداته. أما أن نزعم أن التجربة الصوفية تجربة خرافية فهذا الزعم لا يخلو من التجني، لأن الصوفية أحد المنجزات الإنسانية الحضارية التي رسخت نفسها في تاريخ الإنسان، وأضافت إليه منسوبا كبيرا من الروحانية.
* ثمة من يلاحظ أنك تأثرت بـ «نرجسية المتنبي»، على الرغم من أنك تقول في أحدى قصائدك إنك تكتب لكل الحفاة؟
ـ كتبت هذه القصيدة التي أوردت فيها أنني أكتب لكل الحفاة بعد علاقة مع الشعر دامت أكثر من عقدين من الزمن، فكان من الطبيعي أن أعيد صياغة ذاتي الشعرية كما يجب أن تكون، وأن يوسع الشعر انتمائي لتكون صومعتي باتساع خطوط الطول والعرض، وكان من الطبيعي، كذلك، أن يكون قلبي هو وحدة الكرة الأرضية. أعتقد أن هذه المشاعر لا تمثل تأثرا بنرجسية المتنبي بقدر ما هي مشاعر إنسانية يولدها الشعر خلال علاقتنا به، بعد أن يمحو من وجداننا مشاعر أشبه ما تكون بالعدوانية تجاه الحياة. وكلما كبر التقاطع بين اللغة والخبرات الإنسانية الحسية، كبرت القصيدة التي تمثل في نهاية المطاف صورة جلية لهذا التقاطع في وجدان الشاعر.
* إلى أي الطبقات ينتمي جمهورك؟
ـ في الحقيقة لا أعلم إلى أي الطبقات ينتمي، لأن الشعر يمحو الطبقات، أو على الأقل يوحدها في طبقة واحدة هي الطبقة الإنسانية.
* ما هي الروافد التي تسقي موهبتك الشعرية؟
¥