وقد قتلت مناسبة القصيدة كل أمل لديه بالعودة إلى الأنس في مجلس سيف الدولة وإلى ذلك الصديق.
يقول المتنبي في آخر القصيدة:
أبلى الأجلة مهري عند غيركم ... وبدّل العذر بالفسطاط والرسن
عند الهمام أبي المسك الذي غرقت ... في جوده مضر الحمراء واليمن
وإن تأخر عني بعض موعده ... فما تأخر آمالي ولا تهن
هو الوفي ولكني ذكرت له ... مودة فهو يبلوها ويمتحن
البيتان الأخيران يكشفان الحالة المؤثرة التي كان يعيشها المتنبي لما بلغته القصة فكيف يصرح بأنه لم ينل ما يريد من كافور وأن كافورا يمتحن وده.
هل فات على المتنبي أن هذا يشمت به أعداءه؟
إن هذا يكشف لنا الحالة النفسية التي كان يعيشها فقد استوت عنده الأنوار والظلم وصار لا يبالي ما يأتيه سرور أم حزن.
ويمثل هذه الحالة ببيتيه:
لا تلق دهرك إلا غير مكترث ... ما دام يصحب فيه روحك البدن
فما يديم سرور ما سررت به ... ولا يرد عليك الفائت الحزن
إن أعطاك كافورا وسرّك فلن يدوم هذا وإن حزنت لفراق سيف الدولة فلن يردك إليه الحزن.
مدحه لكافور جزء من الطموحات التي تنازل عنها , والمنغصات التي تعايش معها سلميا ..
لكن الجدير بالذكر أنه لم ينشده القصيدة فهو بحسه الأبي يعلم أنها لا تعني كافور لا من قريب ولا من بعيد. فجاءت راية بيضاء وإعلانا للسلام مع الذات "براحة اليأس " وتكيفا مع الوضع الجديد الراهن كيفما كان!
وأعود إلى بعض أبيات القصيدة التي فرّغ الشاعر فيها بعض همه وتناول فيها سيف الدولة وبدت كأنها هجاء ولكنك تجد فيها روح العتاب وهي:
رأيتكم لا يصون العرض جاركم ... ولا يدر على مرعاكم اللبن
جزاء كل قريب منكم ملل ... وحظ كل محب منكم ضغن
وتغضبون على من نال رفدكم ... حتى يعاقبه التنغيص والمنن
إلى أن يقول:
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ... ثم استمر مريري وارعوى الرسن
وإن بليت بود مثل ودكم ... فإنني بفراق مثله قمن
والبيت الأخير لا يقوله إلا محب يعتذر عن فراقه لحبيبه.
يقول: إنني بفراق مثله قمن .. بعد أن كان أقصى تعنيفه:
أقل اشتياقا أيها القلب إنني ... رأيتك تصفي الود من ليس صافيا
وهؤلاء الذين لا يصون العرض جارهم كان يراهم أكثر كفاءة منه:
تقولين ما في الناس مثلك عاشق؟! ... جدي مثل من أحببته .. تجدي مثلي!
هذا هو السلم بعد الحرب , والرضا بعد السخط , سلما لا أعني به الفشل , ورضا لا تُقصد به السعادة ..
دمت ثريا وعامرا ..
ـ[أحاول أن]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 06:14 م]ـ
للاستئناس:
ذائقة الدكتور علي مثل الموشور النقي، نفذ خلاله بياض الراية فخرج انكساره طيفا متعدد الألوان، فلنختر منها ما نشاء ..
يتقاطع العلامة محمود شاكر في سفره المنير " المتنبي رسالة في الطريق إلى ثقافتنا " مع بعض حديثنا هنا حين يستشهد بهذا النص على عظيم لوعته وشديد حبه لخولة الحمدانية _ وقد اتفق معه من اتفق وخالفه من خالف - .. يقول:
(يا من نعيت على بعد بمجلسه ... كل بما زعم الناعون مرتهن ُ
فوربك إني لإخال أبا الطيب قد قال هذا البيت وهو يبكي!!؛ فإن في الشطر الأخير عبرات من دمعه لا تزال تجول فيه وتترقرق،
فكل ذلك آثارٌ بينةٌ على انتقال طبيعة أبي الطيب من تكبرها وعتوها وتزمتها إلى حالة نفسية طارئة قد نفذت فيه آلامها وأهوالها فهو يعاني منها ما يعاني ويضطرب لها ويهتز ويتلذع حتى كان شعره بعد فراق سيف الدوله كثير الشكوى مخالطاً بالحزن والحسرة والألم
وقد تنبه إلى نفسه فقال:
ألا ليت شعري أقول قصيدة ... فلا أشتكي فيها ولا أتعتب ُ
وبي ما يذود الشعر عني أقلُه ... ولكن قلبي يا ابنة القوم قُلبُ!)
أ. هـ
ص 354
ـ[أحاول أن]ــــــــ[09 - 04 - 2010, 03:15 ص]ـ
سنظل مع المتنبي وراياته، نسهر جراها دون أن نختصم -إن شاء الله - ..
ولنتأمل راية أبي فراس وخارطته ..
ـ[أحاول أن]ــــــــ[09 - 04 - 2010, 03:29 ص]ـ
أبو فراس الحمداني
امتداد الكفاح (من 321 هـ إلى 357 هـ) من نشأة يتيم الأب ذي الأعوام الثلاثة إلى مقتل الشاب ذي الستة والثلاثين ربيعا!
وبينهما تاريخ مجدٍ خالد , وديوان شعرٍ جزل ٍ صادق ..
تولى النجيب ولاية منبج وحران وهو ابن ستة عشر عاما , وتزوج ولما يبلغ العشرين ..
أسره الروم عام 351 هـ وظل أربعة أعوام لم يُفْدَ لأسباب يجهلها التاريخ ويعرفها أبو فراس وحده!
¥