تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد أيّد عباس حسن هذا الأسلوب، وقال هذا التعبير منصوص على صحته عند القدماء، كما جاء في باب التجريد عند ابن الأثير ()، وانتهت المناقشات إلى قَبول المجمع هذا الأسلوب، وجاء في قراره:" يجيز المجمع قول الكُتّاب: "أنا كباحث أقرر كذا على أحدِ وجهين، أن تكون الكاف للتشبيه، وأن تكون زائدة" ().

وقد أحسن المجمع إذ أجاز هذا الأسلوب، على ما في قراره - كما سنرى -،على الرغم من أنّ القدماء لم يستخدموه كما استخدمه المحدثون. وقد تتبعت ما أشار إليه الأستاذ عباس حسن مما جاء في باب التجريد، وهو تعليق لابن الأثير على قولٍ لأبي علي الفارسي نصه () " أن في الإنسان معنى كامناً فيه، كأنه حقيقته ومحصوله، فيخرج ذلك المعنى إلى ألفاظها مجرداً من الإنسان كأنه غيره، وهو هو بعينه، نحو قولهم:" لئن لقيت فلانا لتلقين به الأسد، ولئن سألته لتسألن منه البحر، وهو عينه الأسد والبحر". وقد ردّ ابن الأثير كلام الفارسي في عده هذا من التجريد، وقال "هذا تشبيه مفرد الأداة، إذ يحسن تقدير التشبيه فيه، وبيان ذلك أنك تقول: لئن لقيت فلانا لَتَلْقَيَنّ به كالأسد، ولئن سألته لتسألن منه كالبحر"، ولئن كان هذا الذي قصده عباس حسن، فهو مختلف جداً عن طبيعة هذا الأسلوب؛ ذلك أن ما ذكره ابن الأثير تشبيهٌ خالص، وقد عَرَضَ له النحاة حينما تكلموا على الكاف الاسمية، كقول الشاعر"… ولن يَنْهَى ذوي شطط كالطعن .. " وقول آخَرَ" وإنك لم يفخر عليك كفاخر" و " ورحنا بكابن الماء". وحال هذا الأسلوب على غير ذلك كما سنرى.

أما قول الأثري إن هذا الأسلوب عاميّ فقد تنكّب جادة الصواب؛ لأن العامة لا تعرفه وإنما يستخدمه المثقفون، وقد شاع على ألسنتهم وأقلامهم.

إنّ هذا الأسلوب دخيل إلى العربية بلا شك، وقد دخل من الإنجليزية، وعلى وجه الخصوص كلمة " as"، كالتي في عنوان كتاب" آرون وايلد فسكي"،الذي صدر سنة 1984م، " MOSES AS A POLITICAL LEADER" " موسى كزعيم سياسي." وليس ثمة طائل من البحث عن استخدام القدماء له. غير أن ما يجدر التوقف عنده في قرار المجمع إنما هو تخريجه له على وجهين، وقد جانب جادّة الصواب في تخريجه هذه الكاف على الزيادة، فيما أرى؛ فلا محلّ للزيادة ههنا، والشواهد التي تحمل هذا المعنى نادرة، واضطراب النحويين فيها بادٍ في مصنفاتهم، ولم يحتذها أحد، فضلاً عمّا تفضي إليه من الَّلبس.

أما التشبيه فلعل الناظر فيه أول وهلة ينفر منه ويردّه؛ ذلك أنّ القول أنا كوزير، يعني أنني لست وزيراً، وقد قال ذلك الدكتور أحمد عمار في أثناء مناقشة أسلوب" أكرم الضيف بوصفي عربياً" ()، غير أننا إذا أنعمنا النظر، وجدنا فيه ملمحاً للتشبيه، على غير ما ذهب إليه الدكتور عمار وغيره، فالقول " أنا كوزير أصنع كذا " يدل على أنّ هذا الشخص بما يُسند إلى نفسه من الفعل يشبه أيّ شخص مثله يتبوّأ هذا المنصب، والتشبيه على هذا ليس خالصاً؛ أي أن المسألة ليست تشبيهاً وحسب، كما رأينا في قرار المجمع، بل نجد أنّ "الكاف" ههنا شُحنت بمعنى مستحدث، هو الحديث عن الوظيفة أو المهنة أو الصفة أو المقام الذي يتحدث منه القائل، وهذا ملمحٌ قرينٌ لهذا الأسلوب، وقد تسرّب إلى كتابات أكابر الكتّاب المحدثين، يقول العقّاد في كتابه عن غاندي ():"اضطرتْ إلى تقييد حرّيته، وكفّه عن الاسترسال، في دعوة تَحول بين الحكومة كحكومة وبين القيام بعملٍ من الأعمال". كما جاء عند سيّد قطب في "الظلال"، إذ جاء فيه ():"سواء أدعوها كأفراد أو كتشكيلات تشريعية" "وتننهي إلى اندثارها كأمة، وإن بقيت كأفراد" "فلن يمكن أن يعاملوهم كبشر عاديين" "فإذا حُجِبَ عن هذا المصدر فقد خصائصه كإنسان خبير".

وبعد، فهذا أسلوب مترجم كما ذُكر، ولعل أوّلَ من ترجمه لم تسعفه عربيته أن يقول "أنا باحثاً أو وزيراً، أو بوصفي باحثاً أو وزيراً أصنع كذا" فاستخدم هذه الكاف، على هذا المعنى، فشاع هذا الأسلوب، وعلينا ألاّ نقرّ استخدامه وحسب، بل وحداثته أيضاً، ولا غضاضة في ذلك. "

ولقراءة كامل المقال تجدونه هنا ( http://www.majma.org.jo/majma/index.php/2009-02-10-09-36-00/318-70-3.html)

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير