تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما كونها لم تحمل علوم العصر الحديث فهذا ليس لعيبٍ فيها إنما هو عيب حامليها، فلو عزوا وعلموا وعملوا لكانت لغتهم صاحبة ذلك كله وأكثر منه، لكنهم هانوا وذلوا واستُعبِدوا ـ بل عبّدوا أنفسهم ـ وركنوا إلى الآخرين واعتمدوا الاستهلاك لكل قادم من الآخر، ورضوا بالمادة دون العلم، وآثروا الكسل والانحطاط فأنى لهم أن ينهضوا ـ وهم على هذا الحال ـ لتنهض لغتهم؟ هل اللغة هي التي ستقوم بالكشوف وتأتينا بالمخترعات التي لم يسبقنا إليها أحد مما يتطلب الضرب في الأرض والجهد في العمل والسير على علم؟ أم هم أصحابها من عليهم أن يقوموا بذاك؟ وعندها .. تكون لغتهم حاملة لذلك العلم وهي أهل له، ولا أقدر منها على حمل أي علم وأي جديد .. فهي كما تقول عن نفسها:

وسعتُ كتاب الله لفظا وغاية ** وما ضقتُ عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة ** وتنسيق أسماء لمخترعات

وتعريب العلوم ونقل مدنية الآخر وتقدمه في مجال العلم المادي واجب على كل قادر من أبناء الأمة، ولا يستعصي ذلك على لغة القرآن

حقا .. ما أجهل من يدعي جمودها وعجزها وعدم قدرتها! لغة حملت رسالة الله ونقلت مقاصده ومنهجه ودستوره .. أتعجز عن ماديات في حياتنا وهي التي جلبت الروح إلى الموات وحملت النور إلى الأمم كافة؟

إنما هو الضعف والتخاذل و الانبهار بالآخر والذوبان فيه والانسلاخ من الجذور، ومن ترك أصله فلن يقبله غيره ولن يستطيع العودة إلى أصله، فهنيئا له بالضياع والشتات والتيه في عالم قاس لا يرحم!

مهما ذلت أمة أو امتهنت أو احتُلت فإنها تحب لغتها وتحافظ عليها وتقاوم محاولات المحتل لطمسها، فإن لم تكن محتلة فإنها أيضا لا تتخلى عن لغتها أبدا وإن كانت في مؤخرة ركب الحضارة والتنمية، اسألوا التاريخ القريب يخبركم، وهذا عام في كل شعب وفي كل لغة إلا ـ ويا للعجب ـ لغة القرآن وأمة الإسلام، فقد هانت على أبنائها فتركوها أو فضلوا عليها عامياتها، أو خلطوا بها غيرها من لغات، ورموها بأعاجيب من التهم وقذفوها بما يشيب لهوله الولدان والله المستعان بعد أن كانت أمم الأرض تتوجه إليها متعلمة من علومها، أو ناهلة من ينبوع دستورها الرباني، ومصنفة أعظم الأسفار في تاريخها

وإيمانا بأهمية اللغة القومية لكل بلد فقد (حثت المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أمم الأرض قاطبة، وطبقا لتقارير أعدها خبراؤها، على أن تدرس كل منها العلم بلغتها لأبنائها إذا كانت تريد أن تشارك في تكوين العلماء). ولكن بلادنا تدرس علومها وعلوم الغرب بلغة أجنبية ولا تلتزم بلغتها الأم، ولعلها المخالفة الوحيدة التي يسمح بها لها لتزيد هامشيتها وانقطاعها عن أصلها ومصدر قوتها.

إن الدفاع عن اللغة الوطنية ـ كما يقول الدكتور فهمي هويدي ـ (هو دفاع عن الذات، واحترامها هو احترام للذات، وانتهاك حرمتها من أعمال احتقار الذات) وما أصدق ما قال!

لذلك فقد حاربت بعض الأمم العاميات وعملت على إقصائها عن ميدان الحياة، واعتبرت ذلك خطوة أولى وحاسمة في سبيل نهضتها المأمولة، فاقرؤوا هذا البيان الصادر من مجلس الثورة الفرنسية: أيها المواطنون ليدفع كلا منكم تسابق مقدس للقضاء على اللهجات في جميع أقطار فرنسا؛ لأن تلك اللهجات رواسب من بقايا عهود الإقطاع والاستعباد

ولا أدل على أهمية اللغة من محاولات المحتلين إلغاء لغة البلاد التي يحتلونها حيث يكون هذا العمل في قمة أولوياتهم ليطمسوا لغة القوم ويطمسوا معها حضارتهم وثقافتهم وتواصلهم، ويحلوا معها لغتهم هم بكل ما تحمله من فكر الغزاة وثقافتهم وأنماط حياتهم وأساليب معيشتهم، وما قضية (الفرنَسَة) في بلاد المغرب العربي عنا ببعيد. وهكذا هي اللغة ليست مجرد أداة تواصل بل هي خزائن علم وحضارة وفكر وثقافة، وهوية الأرض والمجتمع والأفراد، وتزيد عند المسلمين أن لغتهم هوية دين هو الوحيد الذي يقبله الله "إن الدين عند الله الإسلام"

ـ[غزوان]ــــــــ[07 - 08 - 2004, 08:10 م]ـ

أنا من سورية وهي إحدى الدول التي لازالت تدرس العلوم المختلفة باللغة العربية, ورغم أنني من أشد أنصار اللغة العربية وأكثر محبيها إلا أنني اصطدمت برأي لأحد الأخوة الخليجيين وهي أن الأطباء والمهندسين اللذين يدرسون باللغة العربية هم أقل كفاءة من أولئك اللذين يدرسون باللغة الإنكليزية , ورأيه هذا مبني على تجربة طويلة بحكم عمله في إدارة إحدى المنشآت.

فما رأيكم؟؟

ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[07 - 08 - 2004, 09:32 م]ـ

اللغة العربية كائن حي ينبض بالحياة، وعلى الرغم من عقوق كثير من أبنائها إياها، والهجمات الموجِعة التي تعرضت لها إلا أنها تبقى متماسكة، تنتظر مَن يعتزون بهُويتهم ولغتهم ليقفوا بجانبها.

مقالة جميلة يا أستاذة، بارك الله فيك.

يسرني، هنا، أن أرحب بالأستاذ غزوان، وأقدم له الشكر والعرفان على خدمته الفصيح، إذ إن الأستاذ أبدع في تصميم شعار الفصيح الجديد، ومنحنا من قته شيئًا ليس باليسير، فله الشكر، والدعوات بالتوفيق.

أرى أن ما ذكره صاحبك غير بعيد، لأن الطب والهندسة الآن عِلْمان طورهما أهل الحضارة الإنجليزية، ونحن نستورد منهم آخر الدراسات فيهما، فالفكرة بلغهم وكذلك اللغة من مفردات ومصطلحات. نعم لو نشط أهل اللغة للتعريب واستطاعوا أن يوظفوا اللغة للمنهج العلمي فلربما كان هناك تساو في المقارنة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير