تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويضيف إلى ذلك ما رآه من (تعدية الفعل إلى مفعوله مباشرة بغير حرف جرّ مع أن المعنى يقتضي تعديته إليه بهذا الحرف).

ومن أمثلة ما خطأه (هذه العبارة "لكي تسمح للإلكترونات أن تصل" والصحيح: بأن تصل، إذ لا يقال في العربية يسمح له الوصول، بل يقال: يسمح له بالوصول) [10].

هذا جانب من التصويب في مقال موجز سأعقب على ثلاث مسائل وردت فيه، وهي:

المسألة الأولى – قول المعربين:

(لاحظ بأن، ويرى بأن) والصواب عنده حذف الباء؛ لأنه لا يقال رأيت بذلك الشيء بل يقال: رأيت ذلك الشيء.

أقول: هذه الباء وقعت مقوية للفعل، ومزيدة للتوكيد الحدث، وثبت مثلها كثير في النصوص الفصيحة. ولكثرته أجاز العلماء القياس على أنماط منه. فقد زيدت مع الفاعل، ومع المبتدأ، ومع خير المبتدأ، وخير ناسخه، ومع الحال، ثم مع المفعول به [11].

وزيادتها في مفعول الفعل المتعدي هو موضوع حديثي، الذي أختار شواهد له في ما يأتي: فمما ورد في نصوص القرآن الكريم:

- قول الله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195].

- وقول الله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة} [مريم: 35].

- وقول الله تعالى: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} [الحج: 25].

- وقول الله تعالى: {فستبصر ويبصرون. بأيكم المفتون} [القلم 5 - 6].

ومما ورد في الشعر:

- قول النابغة الجعديّ [12]:

نحن بنو جعدة أرباب الفلج نحن منعنا سيله حتى اعتلج

نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

- وقول الراعي النميري [13]:

هنَّ الحرائر لاربَّات أحمرة سودِ المحاجر لا يقرأن بالسور

- وقول حسان بن ثابت [14]:

تبلت فؤادك في المنام فريدة تسقي الضجيج ببارد بسام

- وقول دريد بن الصمة [15]:

دعاني أخي والخيل دوني ودونه فلما دعاني لم يجدني بقعدد

- وقول عنترة [16]:

شربت بماء التحرضين فأصبحت زوراء تنفر عن حياض الديلم

وقول أبي ذؤيب الهذلي [17]:

تروت بماء البحر ثم تنصبت على جمثيات لهن تثيج

وفي رواية (شربن بماء البحر) قال ابن جني: (يعني السحاب. والباء فيه زائدة. إنما معناه: شربن ماء البحر. هذا هو الظاهر. والعدول عنه تعسف) [18].

هذه النصوص وغيرها مما لم أذكره دخلت فيها الباء على المفعول الصريح مزيدة ومقوية للفعل المتعدي. وإذا كان المفعول هنا صريحًا، أعني غير منسبك من (أنّ) أو (أنَّ) أو (ما) المصدرية وصلاتها فالمنسبك تصديره بالباء أسهل وأكثر قولاً، وهو الذي منع استعماله الدكتور الزيدي في (لاحظ بأن) و (يرى بأن).

واستدل على دخول الباء في مثل هذا التركيب بالآتي:

- قول الله تعالى: {ألم يعلم بأنَّ الله يرى} [العلق: 14].

وتجردت من الباء في الآية: {ألم تعلم أنَّ الله يعلم ما في السماء والأرض} [الحج: 70].

- وقول أشعرَ الرقبانِ الأسدي [19]:

بحسبك في القوم أن يعلموا بأنك فيهم غني مضر

وقد علم المعشر الطارقو ن أنك للضيف جُوعٌ وقُرّ

فزاد الباء أولاً في مفعول (يعلموا) وجرد مفعول (علم) منه ثانيًا.

هذا ولكثرة إدخال الباء على المفعول صرح النحويون باتساع أمره، وبجواز زيادتها في مفاعيل طائفة من الأفعال المتعدية بنفسها.

قال ابن جني: (قوله تبارك اسمه: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة: 195] تقديره والله أعلم: ولا تلقوا أيديكم. وهذا واسع عنهم جدًا) [20].

وقال جمال الدين بن مالك ت672هـ: (وكثرت زيادتها في مفعول "عرف" وشبهه، وقلت زيادتها في مفعول ذي مفعولين ... ) [21].

وقال رضي الدين الإستراباذي ت686هـ: (وتزاد قياسًا في مفعول علمت وعرفت وجهلت وسمعت وتيقنت وأحسنت) [22]. وهذه الأفعال المتعدية بنفسها تخص المعاني القلبية والفكرية، والعرفان و (شبيهه) كما قال ابن مالك.

لا شك في أنَّ "لاحظ" و"يرى" داخلان في هذه المعاني، فدلالة كلٍّ منهما على المعرفة واضحة وقد يقال: ما ذهبت إليه وجهة نظر، ومن الشواهد ما يحتمل التأويل.

فأقول: لا أُماري، ولكن لا خلاف فيما ساء ذكره في المسألتين اللاحقتين.

المسألة الثانية – قول الكاتب الفاضل:

(ومثله قولهم: يسمَّى بعلم اللغة. والصحيح: يسمى من غير باء. والشاهد عليه القرآن الكريم، فقد قال تعالى: {وإنِّي سمَّيتها مريم}.

وإيضاح هذا الوجه أيسر؛ فإن اللغويين صرحوا بأن الفعل (سمى) يتعدى بنفسه وبالباء.

- قال ابن جني: (فأما قولهم: سميته زيدًا وبزيد، وكنيته أبا عبدالله فليست الباء فيه زائدة، وإنما أوصلوا بها الفعل تارة إلى المفعول، وأوصلوه تارة أخرى بنفسه) [23].

- وجاء في معجم (مختار الصحاح): (وسميت فلانًا زيدًا وسميته يزيد بمعنى، وأسميته مثله) [24]. أما أن القرآن الكريم استعمل الفعل من دون باء فهذا لا يعني حظر ما عداه إذا صح عن العرب الفصحاء وقد تقدم استعمال القرآن تركيبيين في الآيتين {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض} و {ألم تعلم بأن الله يرى}.

المسألة الثالثة – منع الدكتور الزيدي استعمال قولهم:

(لكي يسمح للإلكترونات أن تصل) قال (والصحيح: بأن تصل؛ إذ لا يقال في العربية: يسمح له الوصول، بل يقال: يسمح له بالوصول).

وهذا التصحيح غير صحيح، فحرف الجرِّ هنا دخل على المفعول المصدَّر بالحرف المصدري (أنَّ). وإذا صُدِّر المفعول بالحرفين (أنْ) و (أنَّ) (فيجوز حذف حرف الجرِّ معهما قياسًا مطَّردًا بشرط أمن اللبس، كقولك: عجبت أن يدوا. والأصل: عجبت من أن يدوا. أي من أن يُعطوا الدِّيَةَ) [25].

وعلى هذا فلا حاجة لتعليل الحظر بأنه (لا يقال في العربية: يسمح له الوصول بل يقال: يسمح له بالوصول) فنمنع لذلك: (يسمح له أن يصل) من دون باء.

وبعد:

فإن ادعاء المرء أنَّ هذا قالته العرب وهذا لم يجرِ على ألسنتهم مسلك لابد من أن يسلكه المحقق اللغوي حذرًا متوقيًا مما يعرض له فيه من زلل، مزودًا بما يجب عليه أن يتزود من الأدوات، ومتحليًا بصفات تفتح عليه مغاليق الصواب. وفي الوصايا العشر التي تقدمت معين على ذلك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير